وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْخِيَارَ بَاطِلٌ وَالصَّدَاقَ جَائِزٌ، لأن الصداق تبع للنكاح فيثبت ثبوته، وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَهَا بِالْأَلْفِ فِي يَوْمِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا نِكَاحٌ بَاطِلٌ، وَصَدَاقٌ بَاطِلٌ، وَشَرْطٌ بَاطِلٌ.
وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحَ جَائِزٌ.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ ثَابِتٌ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ في كتاب البيوع.
ضَمَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مِنَ الزَّوْجِ الْمِلْطِ
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي: " ولو ضمن نفقتها أبو الزوج عَشْرَ سِنِينَ فِي كُلِّ سنةٍ كَذَا لَمْ يَجُزْ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَأَنَّهُ مَرَّةٌ أَقَلُّ وَمَرَّةٌ أَكْثَرُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
إذا كان الزوج ملطاً بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَضَمِنَهَا عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ غَيْرُ أَبِيهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ فَسَوَاءٌ.
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ نَفَقَةَ مَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، فَهَذَا ضَمَانُ مَالٍ قَدْ وَجَبَ وَاسْتَقَرَّ، فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَمِنْ جِنْسٍ يَسْتَقِرُّ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَضْمَنَ نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْمُدَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَضْمَنَ لَهَا نَفَقَتَهَا أَبَدًا، فَهَذَا ضَمَانٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمُدَّةِ مِثْلَ أَنْ يَضْمَنَ لَهَا نَفَقَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ فَفِي الضَّمَانِ قَوْلَانِ، بَنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِمَاذَا وَجَبَتْ.
فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ وَتَسْتَحِقُّ قَبْضَهَا بِالتَّمْكِينِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ كَالصَّدَاقِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَالْمُسْتَحَقِّ بِالتَّمْكِينِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّهَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الصداق، لأن الصداق ف مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ وَالنَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَصَارَتْ وَاجِبَةً بِالِاسْتِمْتَاعِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَانَ ضَمَانُهَا مبنياً عليهما.