للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالْجِلْدِ؛ ولأنه لما استوى في حد الزنا حكم العبد المسلم والكافر وجب أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ حَدُّ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.

فأما الجواب عن الخبرين الأوليين فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حَمْلُهُ عَلَى حَصَانَةِ الْقَذْفِ دُونَ الرَّجْمِ.

وَالثَّانِي: لَا حَصَانَةَ تَمْنَعُ مِنِ اسْتِبَاحَةِ قَتْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا - لَا إله إلا الله - فإذا قالوها عصموا من دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ".

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حديث حذيفة فهو أن لا يجوز حمله على حصانة الزنا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَقُولَ لِمَنْ وَثِقَ بِدِينِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحُذَيْفَةُ قَدْ كَانَ مَوْثُوقًا بِدِينِهِ، إِنَّكَ مَتَى زَنَيْتَ تَحْتَ هَذِهِ الْيَهُودِيَّةِ لَمْ تُرْجَمْ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَا تُحْصِنُكَ " أَيْ لَا تَتَعَفَّفُ بك عما تَتَعَفَّفُ الْمُسْلِمَةُ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ ذَلِكَ بِحَصَانَةِ الْقَذْفِ.

فالفرق بينهما: أن حد الزنا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَجَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فجاز أن يفرق فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ كَالدِّيةِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ الرَّجْمِ نَقْصَ الرِّقَّ اعتبر فيه نقص الكفر، فالجواب عَنْهُ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ نَقْصُ الرِّقِّ مُعْتَبَرًا فِي الْحَدِّ الْأَصْغَرِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْحَدِّ الْأَكْبَرِ وَلَمَّا كَانَ نَقْصُ الْكُفْرِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ في الحد الأصغر كان معتبر في الحد الأكبر وافترقا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي شُرُوطِ الْحَصَانَةِ فَالْكَلَامُ فِيهَا مشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُها: فِي نِكَاحِ الْحَصَانَةِ.

وَالثَّانِي: فِي وَطْءِ الْحَصَانَةِ.

وَالثَّالِثُ: فِي زمان الحصانة.

فأما نكاح الحصانة النِّكَاحُ الصَّحِيحِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ بَوْلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ فَأَمَّا الْمُتْعَةُ، وَالْمَنَاكِحُ الْفَاسِدَةُ، فَلَا تُوجِبُ الْحَصَانَةَ؛ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ فيها أغلظ شروطاً من إحلال المطلق للأول؛ لأن الحرية لا يعتبر فِيهَا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَاكِحَ الْفَاسِدَةَ لَا تَحِلُّ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا تُحْصِنَ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ: مِنْ أَنَّهَا تُحْصِنُ، وَكَذَلِكَ التَّسَرِّي بِمِلْكِ الْيَمِينِ، لَا يُحْصِنُ كما لا تحل المطلقة للمطلق، وَأَمَّا وَطْءُ الْحَصَانَةِ فَهُوَ تَغَيُّبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ إِنْزَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ تَلَذَّذَ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>