للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رقبة قيمتها مائة دينار، ورقة قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَكِلَاهُمَا يُجْزِيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا وَجَبَ مِنْهُ بِالنَّذْرُ لِتَفَاضُلِهِ.

وَالْفَرْقُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَاسْتَوَى فِي حَقِّ اللَّهِ جَمِيعُ أَيَّامِ اللَّهِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَفَاتَهُ صَوْمُهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ قَضَاهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ عَجَّلَهُ قَبْلَ الْخَمِيسِ لَمْ يُجْزِهْ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَعَيُّنُ الْعِتْقِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهُ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ ولو نذر عتقه بعد ثلاثة أيام جازم تَعْجِيلُ عِتْقِهِ، فَلِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ مَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ، واستوى تعين الْعِتْقِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَافْتَرَقَ تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا مَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِكُلِّ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُزَنِيِّ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَذْهَبِ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي النَّقْلِ، كَمَا خَالَفَهُ فِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ، وَهُمَا مِنَ الْجَدِيدِ لَا مِنَ الْقَدِيمِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ فِي الْجَدِيدِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا بِكُلِّ يَمِينٍ تَلْزَمُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيلَائِهِ بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَنْ ظِهَارِهِ، وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَإِنْ فَاءَ وَوَطِئَ فَقَدْ لَزِمَهُ النَّذْرُ، وَالنَّذْرُ ضَرْبَانِ: نَذْرُ طَاعَةٍ يُقْصَدُ بِهِ الْقُرْبَة، وَنَذْرُ لَجَاجٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، فَأَمَّا نذر الطاعة المقصود به القربى فَكَقَوْلِهِ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا فَإِذَا شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ لَزِمَهُ عِتْقُ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ الْخَارِجُ مَخْرَجَ الْأَيْمَانِ فَهُوَ مَا قَصَدَ بِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ أَوْ إِلْزَامَ نَفْسِهِ فِعْلَ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا أَوْ إِنْ لَمْ أَدْخُلِ الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِذَا كَلَّمَ زَيْدًا أَوْ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَجَبَ النَّذْرُ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ الْتِزَامِ مَا نَذَرَهُ مِنَ الْعِتْقِ اعْتِبَارًا بِالنُّذُورِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ اعْتِبَارًا بِالْأَيْمَانِ، وَنَذْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نُذُرُ لَجَاجٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَكَانَ فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِ عَبْدِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى كَفَّارَةِ يَمِينٍ، فَإِنْ عَدَلَ إِلَى الْكَفَّارَةِ سقط بها حكم إيلاؤه وكان مخيراً في العتق عن ظاهره بَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ عِتْقِ غَيْرِهِ كَحَالِهِ قَبْلَ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ بِالتَّكْفِيرِ فَإِنْ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ عَنْ ظِهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ اخْتَصَّ بظهاره

<<  <  ج: ص:  >  >>