للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ النَّائِمَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا فِعْلَ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لَهَا وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَجْنُونَةَ، أَوِ النَّائِمَةَ وَالزَّوْجُ عَاقِلًا مُسْتَيْقِظًا فَوَطِئَهَا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَقَالَ أبو حنيفة: فِي النَّائِمَةِ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثٍ " ذَكَرَ فِيهِمَا النَّائِمَ حَتَّى يَنْتَبِهَ وَلِأَنَّ مَا لَا يَقَعُ الْفِطْرُ بِهِ نَاسِيًا، لَا يَقَعُ الْفِطْرُ بِهِ نَائِمًا كَالْأَكْلِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يُفْطِرُ بِالْأَكْلِ لَا يفطر بالوطئ كَالنَّاسِي.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ فِي صَدْرِ النَّهَارِ ثُمَّ جُنَّ فِي آخِرِهِ أَوْ مَرِضَ فَفِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة. لِأَنَّ أَوَّلَ الْيَوْمِ مُرْتَبِطٌ بِآخِرِهِ وَحُكْمُ جَمِيعِهِ وَاحِدٌ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِيهِ وَإِذَا زَالَتِ الْحُرْمَةُ سَقَطَتِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِهَتْكِ الْحُرْمَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْكَفَّارَةَ ثَابِتَةٌ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ.

وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ الَّذِي انْتُهِكَ بِهِ حُرْمَةُ الصَّوْمِ، وَلَا حُكْمَ لِمَا طَرَأَ بَعْدَ وُجُوبِهَا، كَمَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْوَطْءِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِالسَّفَرِ الطَّارِئِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا.

فَصْلٌ

: وَإِذَا زَنَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَزِمَهُمَا الْحَدُّ وَالْقَضَاءُ، وَوَجَبَ عَلَى الزَّانِي الْكَفَّارَةُ وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الزَّانِيَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا إِذَا قِيلَ إِنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْوَاطِئِ وَحْدَهُ.

وَالثَّانِي: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ إِذَا قيل إنها وجبت عليهما، وإنما لمن يَتَحَمَّلْ عَنْهَا الْكَفَّارَةَ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُثْبِتُ حُرْمَةً يَجِبُ بِهَا التَّحَمُّلُ، وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَزْعُمُ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةً لَا يَخْتَلِفُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَأْتِ فِيمَنْ زَنَا وَلَا الزَّانِي فِي مَعْنَاهُ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَكْلِ النَّاسِي ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا وَطِئَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فِي نَهَارِهِ، أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنْ قَالُوا لِأَنَّهُ جِمَاعٌ تَامٌّ صَادَفَ صَوْمًا، فَوَجَبَ أَنْ يُفْطِرَ بِهِ كَالْعَامِدِ قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا جِمَاعُ الْعَامِدِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَهَا جِمَاعُ النَّاسِي

<<  <  ج: ص:  >  >>