كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا، فَأَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَسْبِقَهُ بِقَبْضِ حَقِّهِ فَقَبَضَهُ، وَتَلِفَ الْبَاقِي كَانَ لِلشَّرِيكِ الثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى السَّابِقِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ، لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالسَّبْقِ مُعْتَبَرٌ بِأَنْ يَتَعَقَّبَهُ قَبْضُ الْآخَرِ، كَذَلِكَ الْإِذْنُ فِي التَّعْجِيلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ التَّعْجِيلَ صَحِيحٌ، تُعْتَقُ بِهِ حِصَّةُ الْمُتَعَجِّلِ، وَلَيْسَ لِلْآذِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْآذِنَ لَمْ يَمْلِكْ مَا بِيَدِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِحَقِّ كِتَابَتِهِ، فَإِذَا أَذِنَ فِي التَّقْدِيمِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنَ الْحَجْرِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ وَجَرَى مَجْرَى الْبَائِعِ يَسْتَحِقُّ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ، فَإِذَا سَلَّمَهُ سَقَطَ حَقُّهُ فِي احْتِبَاسِهِ، وَكَالْمُرْتَهِنِ فِي احْتِبَاسِ الرَّهْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ إِذْنَهُ بِالتَّعْجِيلِ كَالْهِبَةِ، لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فِيمَا أَذِنَ.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّعْجِيلَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَذِنَ بِهِ الشَّرِيكُ، فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا تَعَجَّلَهُ شَرِيكُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ مِثْلُهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى الشَّرِيكِ الْآذِنِ اسْتَقَرَّ التَّعْجِيلُ الْأَوَّلُ، وَعَتَقَ جَمِيعُ الْمُكَاتَبِ لِأَدَائِهِ مَالَ كِتَابَتِهِ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ غَيْرُ مَا عَجَّلَهُ كَانَ لِلْآذِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُعَجَّلِ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ مِنَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَقَّهُ، فَإِنْ وَفَّاهُمَا عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ اسْتَرَقَّاهُ.
وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ التَّعْجِيلَ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْآذِنِ فِيهِ، فَقَدْ عَتَقَتْ حِصَّةُ الْمُتَعَجِّلِ، وَفِي سِرَايَةِ عِتْقِهِ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَسْرِي، وَيَكُونُ بَاقِيهِ عَلَى كِتَابَتِهِ إِنْ أَدَّاهَا إِلَى شَرِيكِهِ عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا رَقَّ، وَكَانَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُتَعَجِّلِ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكًا لِلْآذِنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسِرْ عِتْقُهُ، لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ الَّذِي اشتركا فيه.
القول الثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهُ يَسْرِي فِي بَاقِيهِ إِنْ كَانَ الْمُتَعَجِّلُ مُوسِرًا لِقِيمَتِهِ، لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا عَتَقَ بِهِ، فَعَلَى هَذَا فِي زَمَانِ سِرَايَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْرِي لِوَقْتِهِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ فِي الْحَالِ، وَيُؤْخَذُ بِقِيمَتِهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ دُونَ التَّعْجِيلِ، وَإِنَّمَا تَعَجَّلَ الْعِتْقَ بِالسِّرَايَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِسَبَبَيْنِ رُوعِيَ أَعْجَلُهُمَا فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ كَلَّمْتَ زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَعَلَى هَذَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِالتَّقْوِيمِ، لِيَعُودَ رَقِيقًا مُقَوَّمًا وَفِيمَا يُعْتَقُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ، وَيَكُونُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ لِلْمُتَعَجِّلِ بِالْأَدَاءِ وَالتَّقْوِيمِ وَيَرْجِعُ الْآذِنُ