للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْنِهِ " فَنَصَّ عَلَى أَلْبَانِ الْمَوَاشِي، وَنَبَّهَ عَلَى ثِمَارِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ أَسْهَلُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَمِنَ الثِّمَارِ مَا لَا يُسْتَخْلَفُ إِلَّا مِنْ كُلِّ عَامٍ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّ، فَأَمَّا سَوَاقِطُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ مِنَ الثِّمَارِ، وَهُوَ مَا تَسَاقَطَ مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ قَدْ أَحْرَزَهَا لَمْ يُجِزْ لِلْمَارِّ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَخْذِهَا، لِأَنَّ الْحِرْزَ يَمْنَعُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَارِزَةً غَيْرَ مُحْرَزَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِإِبَاحَتِهَا حَرُمَ أَخْذُهَا، وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا كَثِمَارِ النَّخْلِ بِالْبَصْرَةِ وَالْمَدِينَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعَادَةِ، هَلْ تَجْرِي مَجْرَى الْإِذْنِ فِي الْإِبَاحَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَالْإِذْنِ، فَيُحِلُّ لِكُلِّ مارٍ بِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَلَا يَدَّخِرَهُ، وَلَا يَتَعَرَّضَ لِغَيْرِ السَّوَاقِطِ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ دَخَلَ حَائِطًا بِالْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ سَوَاقِطِ النَّخْلِ، فَرَآهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَدَعَاهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْأَكْلَ، فَامْتَنَعَ وَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَ عَلَيَّ كَلْبُ الْجُوعِ، فَسَكَّنْتُهُ بِتَمَرَاتٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَكُونُ إِذْنًا، وَلَا يَسْتَبِيحُ الْمَارُّ أَكْلَ السَّوَاقِطِ إِلَّا بإذن صريح كما لا يستبح مَا فِي النَّخْلِ إِلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهِ، وَنُفُوسُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، بِالشُّحِّ وَالسَّخَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ عُمُومُ الْعُرْفِ فِيهِ مُقْنِعًا. حُكْمُ الْمُضْطَرِّ إِذَا مَرَّ بِثَمَرَةٍ وَنَحْوِهَا

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إِذَا مَرَّ بِثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ طَعَامٍ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مُحْرَزًا كَانَ أَوْ بَارِزًا، وَفِي قَدْرِ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَوْلَانِ، كَالْمَيْتَةِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْرُ مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَبَاحَ بِالضَّرُورَةِ مَا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ اسْتَبَاحَ بِهَا مِمَّا تَعَلَّقَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا قَدْرَ الْإِبَاحَةِ، فَثَمَنُ قِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إِنَّمَا دَعَتْ إِلَى الْأَكْلِ، وَلَمْ تَدْعُ إِلَى سُقُوطِ الْغُرْمِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا عَجَّلَ دَفْعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أُنْظِرَ بِهَا إلى مسيرته.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالضَّرُورَةِ كَالِاسْتِبَاحَةِ الَّتِي لَا تُضْمَنُ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَيْتَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلِلطَّعَامِ قِيمَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَيْتَةَ لَا مَالِكَ لَهَا، وَلِلطَّعَامِ مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ حَاضِرًا، فَعَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي الْأَكْلِ بَعْدَ إِخْبَارِهِ بِضَرُورَتِهِ، وَعَلَى مَالِكِ الطعام

<<  <  ج: ص:  >  >>