للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا عَلِمَ بِحَالِهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ اسْتِحْيَاءً لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) {المائدة: ٣٢) ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مسلمٍ، وَلَوْ بِشَطْرِ كلمةٍِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ "؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ بِمَالِهِ مِنْ تَلَفٍ كَغَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ إِذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِ بِمَالِهِ مِنْ تَلَفِ الْجُوعِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَالِكِ مِنْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ أَوْ لَا يَأْذَنَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ لَمْ يَخْلُ حَالُ إِذْنِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ، فَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْإِبَاحَةِ طعام الْوَلَائِمِ الَّتِي يَجُوزُ الشِّبَعُ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى شِبَعِهِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا بَعْدَ الْأَكْلِ شَيْئًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ بِعِوَضٍ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَذْكُرَ قَدْرَ الْعِوَضِ، فَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ فِي وَقْتِهِ بِمَكَانِهِ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ لَهُ قَدْرَ الْعِوَضِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ مِثْلِهِ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ، فَإِنْ أَفْرَدَ لَهُ مَا يَأْكُلُهُ حِينَ سَمَّى ثَمَنَهُ صَحَّ الثَّمَنُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا أَفْرَدَهُ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدَّرَ مِلْكَهَا بِابْتِيَاعٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا سَمَّى ثَمَنَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ لَزِمَ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ مَا أَكَلَ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مَنِ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ مَا يَأْكُلُهُ مَجْهُولًا لَا يَصِحُّ فِيهِ ثَمَنٌ مُسَمًّى.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّاهُ مِنَ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَيَكُونُ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمُضْطَرِّ آثِمًا، وَيُنْظَرُ، فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ مَا سَمَّى ثَمَنَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْمُضْطَرَّ فِيمَا أَكَلَ إِلَّا قِيمَتُهُ بِمَكَانِهِ فِي وَقْتِهِ، وَبَطُلَ الْمُسَمَّى وَإِنْ أَفْرَدَ مَا سَمَّى ثَمَنَهُ، فَفِي قَدْرِ مَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ إِذَا أَكَلَهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: الثَّمَنُ الْمُسَمَّى لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ عَقْدٍ لَازِمٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: ثَمَنُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَهُوَ هَذَا.

وَأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ، فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لَا تَشُقُّ عَلَى الْمُضْطَرِّ لِيَسَارِهِ، فَهُوَ فِي بَذْلِهَا غَيْرُ مُكْرَهٍ، فَلَزِمَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ شَاقَّةً عَلَيْهِ لِإِعْسَارِهِ، فَهُوَ مِنْ بَذْلِهَا مُكْرَهٌ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ إِذْنًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِبَاحَةٍ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>