عَيْنُهَا أَفَأَكْحُلُهَا فَقَالَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ حَوْلًا ثُمَّ تَرْمِي بالبعرة، وإما هي أربعة اشهر وعشراً.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى إِلْقَائِهَا لِلْبَعْرَةِ عَلَى قَبْرِهِ فَقِيلَ: مَعْنَاهَا أَنَّنِي قَدْ أَدَّيْتُ حَقَّكَ وَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي كَإِلْقَاءِ هَذِهِ الْبَعْرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَا لَقِيتُهُ فِي الْحَوْلِ مِنَ الشِّدَّةِ هِيَ فِي عِظَمِ حَقِّكَ عَلَيَّ كَهَوَانِ هَذِهِ الْبَعْرَةِ فَأَتَتِ السُّنَّةُ بِهَذَيْنِ الْخَبِرَيْنِ، وَإِنَّ آيَةَ الشُّهُورِ نَاسِخَةٌ لَآيَةِ الْحَوْلِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ النَّسْخِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَسَخَتْ جَمِيعَ الْحَوْلِ ثُمَّ ثَبَتَ بِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ آيَةَ الشُّهُورِ نَسَخَتْ مِنْ آيَةِ الْحَوْلِ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَبَقِيَ الْحَوْلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَيَكُونُ وُجُوبُهَا بِآيَةِ الْحَوْلِ وَآيَةُ الشُّهُورِ مَقْصُورَةٌ عَلَى نَسْخِ الزِّيَادَةِ وَمُؤَكِّدَةٌ لِوُجُوبِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ تَأْثِيرٌ فِي حُكْمٍ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ مِنْ صَغِيرَةٍ، أَوْ كَبِيرَةٍ، عَاقِلَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ، مَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَهَذَا قَوْلٌ تَفَرَّدَ بِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقْتَضِيهِ عُمُومُ الْآيَةِ أَنَّهَا لَمَّا اسْتَكْمَلَتِ الْمَهْرَ بِالْمَوْتِ كَالدُّخُولِ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ بِهِ الْعِدَّةُ كَالدُّخُولِ، وَلِأَنَّ غَايَةَ النِّكَاحِ اسْتِيعَابُ زَمَانِهِ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْلَبَ حُكْمُ كَمَالِهِ بِسُقُوطِ الْعِدَّةِ كَمَا لَمْ يُسْلَبِ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَمَسُّكُ الْمَيِّتِ بِعِصْمَتِهَا وَقَطْعُ الْمُطَلِّقِ لَهَا فَلَزِمَ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُطَلِّقَ حَيٌّ يَسْتَظْهِرُ لِنَفْسِهِ أَنْ أُلْحِقَ به تسب أَوْ نُفِيَ عَنْهُ فَكَانَتِ الْعِدَّةُ فِي حَقِّهِ مَقْصُورَةً عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَيْسَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ اسْتِبْرَاءٌ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَاسْتَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ تَعَبُّدًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الدُّخُولُ
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِلًا، أَوْ حَامِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَعِدَّتُهَا بِالشَّهْرِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ الْأَقْرَاءَ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute