وَإِنْ كَانَ اسْمُهُ ثَابِتًا فِي رُقْعَةِ الْمُدَّعِي فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُما: يَسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهَذَا السَّبْقِ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَرَى إِثْبَاتَ اسْمِهِ فِي رُقْعَةِ الْمُدَّعِي.
وَالثَّانِي: لَا يَسْمَعُهَا إِلَّا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ.
وَهُوَ الَّذِي أَرَاهُ صَوَابًا، لِأَنَّ اسمه لأن لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا لِحَقِّهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِحَقِّ غَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي مُحَاكَمًا فِي آخِرِ الْمَجْلِسِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ فِيهِ سَبْقٌ لِغَيْرِهِ جَازَ أَنْ تُسْمَعَ مِنْهُ دَعْوَاهُ عَلَى وَاحِدٍ وَعَلَى جَمَاعَةٍ، وَجَازَ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَى الْخَصْمِ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، مَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَّةٌ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُدَّعِي سَابِقًا فَادَّعَى عَلَى اثْنَيْنِ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى مُخْتَلِفَةً لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى وَاحِدَةً كَادِّعَائِهِ ابْتِيَاعَ دَارٍ مِنْهُمَا، أَوْ بَيْعَ دَارٍ عَلَيْهِمَا، جَازَ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا مُحَاكَمَةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَ طَالِبٍ وَمَطْلُوبَيْنِ.
وَلَوِ اجْتَمَعَ اثْنَانِ فِي الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ دَعْوَاهُمَا لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ لم تختلف دعواهما لادعائهما مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا أَوِ ادِّعَائِهِمَا عَلَيْهِ ابْتِيَاعَ دَارٍ لَهُمَا جَازَ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَاهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُحَاكَمَةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَ طَالِبَيْنِ وَمَطْلُوبٍ.
(رِزْقُ الْقُضَاةِ)
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ رِزْقِ الْقَاضِي شَيْئًا لِقَرَاطِيسِهِ وَلَا يُكَلِّفُهُ الطَّالِبَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَ قَالَ لِلطَّالِبِ إِنْ شِئْتَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا شَهَادَةُ شَاهِدَيْكَ وَكِتَابُ خُصُومَتِكَ وَلَا أُكْرِهُكَ وَلَا أَقْبَلُ أَنْ يَشْهَدَ لَكَ شَاهِدٌ بِلَا كِتَابٍ وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي رِزْقِ الْقَاضِي.
وَالْقَضَاءُ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ سَهْمًا فِيهَا وَقَدِ اسْتَقْضَى عُمَرُ شُرَيْحًا وَجَعَلَ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ رِزْقًا فَلَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى عَلِيٍّ جَعَلَ رِزْقَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَأَخَذَ زيد بْنُ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ رِزْقًا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَزَقَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْخِلَافَةِ لِانْقِطَاعِهِمْ بِهَا عَنِ الْمَكَاسِبِ، كَانَ الْقُضَاةُ بِمَثَابَتِهِمْ.
وَيَكُونُ هَذَا الرِّزْقُ جُعَالَةً وَلَا يَكُونُ أُجْرَةً، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدٍ لَازِمٍ وَالْجُعَالَةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدٍ جَائِزٍ. وَالْقَضَاءُ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ الرِّزْقُ فِيهِ جُعَالَةً وَلَمْ يَكُنْ أُجْرَةً.