وَقَدْ يُتَحَرَّزُ مِنَ اعْتِلَالِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَسْتُورٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ فوجب أن مُبْطِلًا لِبَيْعِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِثَوْبٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَبِيعٌ يَبْطُلُ بِمَا يَسْتُرُهُ مِنْ غَيْرِ الْخِلْقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِسَتْرِ مَا لَا مَصْلَحَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةَ كَاللَّحْمِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ الْقِشْرَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَفَاسِدٌ بِالْجِلْدِ وَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَيَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمُعْتَبِرَ بِرُؤْيَتِهِ الْأَجْزَاءُ الْمَقْصُودَةُ دُونَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِإِحْدَى قِشْرَتَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا بِالْقِشْرَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنَّ إِحْدَى الْقِشْرَتَيْنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَفِي رُؤْيَتِهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى جَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ جَوَازُ سَتْرِهِ بِحَائِلٍ مِنْ ثَوْبٍ فَكَذَا بالقشرة العليا التي هي بهذا الحكم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ عُشْرَ الْحُبُوبِ فِي أَكْمَامِهَا وَلَا يُجِيزُ بَيْعَ الحنطة بالحنظة فِي سُنْبُلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنَا أُجِيزُ بَيْعَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فِي تِبْنِهَا أَوْ فِضَّةٍ فِي تُرَابٍ بِالتُّرَابِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا بَيْعُ الزَّرْعِ بَقْلًا أَوْ فَصِيلًا قَبْلَ اشْتِدَادِهِ وَيَبْسِهِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَائِحِ وَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
فَأَمَّا إِذَا اشْتَدَّ وَاسْتَحْصَدَ فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُبْرِزُ الْحَبُّ مِنْهُ بِغَيْرِ كِمَامٍ يَسْتُرُهُ كَالشَّعِيرِ جَازَ بَيْعُهُ فِي سُنْبُلِهِ قَبْلَ دِيَاسَتِهِ وَتَصْفِيَتِهِ لِظُهُورِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَبُّ فِي كِمَامٍ يَسْتُرُهُ كَالْحِنْطَةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ جَوَازُ بَيْعِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وأبي حنيفة وَوَافَقَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَبْسُوطِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ.
وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ وَسَائِرِ كُتُبِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهِ فِي سُنْبُلِهِ.
وَدَلِيلُ مِنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ: رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ ".
فَجَعَلَ غَايَةَ النَّهْيِ أَنْ يَشْتَدَّ فَاقْتَضَى جَوَازُ بَيْعِهِ مِنْ بَعْدِ اشْتِدَادِهِ كَالْعِنَبِ إِذَا اسْوَدَّ. وَبِرِوَايَةِ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهَى وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ ".
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ كَالْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ تَعْلِيلٍ. وَلِأَنَّ بَقَايَا الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا إِبْقَاءٌ لَهَا وَأَمْنَعُ