للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ الْعَمَلِ لِلْمَخْلُوقِينَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِشْرَاكَ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، كَمَا وَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَفْتَى بِشِرْكِهِ وَإِبَاحَةِ دَمِهِ، فَأَخْرَجَهُ عَنِ الْمِلَّةِ بِوَهْمِهِ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ مُشْرِكًا بِالِانْتِظَارِ وَقَدِ اسْتَحَبَّهُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَكَانَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ يُخَرِّجُونَ الْقَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَةِ، فَإِذَا قِيلَ بِقَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ: فَوَجْهُهُ مَا رُوي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ صَلَّى وَأَجْلَسَ الْحَسَنَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ رَكِبَ الْحَسَنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَطَالَ السُّجُودَ، فَلَمَّا فَرَغَ قِيلَ لَهُ أَطَلْتَ السُّجُودَ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ ابْنِي رَكِبَنِي فَأَطَلْتُ السُّجُودَ لِيَقْضِيَ وَطَرَهُ ". فَلَمَّا اسْتَجَازَ بِطَوِيلِهِ لِيَقْضِيَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَطَرَهُ جَازَ انْتِظَارُ الدَّاخِلِ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِ " ذَاتِ الرِّقَاعِ " وَانْتَظَرَ الطَّائِفَةَ الْأُولَى قَائِمًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتِهِ لِيُتِمَّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ انْتَظَرَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ جَالِسًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، لِيُتِمَّ صَلَاتَهَا ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهَا، فَلَمَّا انْتَظَرَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِظَارِ لِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ

وَإِذَا قِيلَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ فَوَجَّهَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ ". وَفِي انْتِظَارِهِ تَطْوِيلٌ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَتَثْقِيلٌ، وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ خُشُوعُهُ بِانْتِظَارِهِ وَتَوَقُّعِ مَجِيئِهِ، وَإِتْيَانُ مَا يُسْقِطُ الْخُشُوعَ مَكْرُوهٌ؛ وَلِأَنَّ انْتِظَارَهُ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ يَدْعُوهُ إِلَى تَرْكِ الْمُبَادَرَةِ وَالتَّوَانِي عَنِ الْإِسْرَاعِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَظِرْهُ تَخَوَّفَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فَارْتَدَعَ عَنِ الْإِبْطَاءِ وَانْزَجَرَ عَنِ التَّوَانِي فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَتَمَّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ انْتِظَارُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ الِانْتِظَارُ في وسط الصلاة أولى:

[(مسألة)]

: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيُؤْتَمُّ بِالْأَعْمَى وَالْعَبْدِ "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ

أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا تُكْرَهُ إِمَامَتُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أُوثِرُهَا وَلَا أَكْرَهُهَا، وَلَا أُوثِرُ إِمَامَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَكْرَهُ إِمَامَتَهُ وَأُوثِرُ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، يُرِيدُ أَنَّ إِمَامَةَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ إِمَامَةَ الْبَصِيرِ أَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَتْ إِمَامَةُ الْأَعْمَى لَا تُكْرَهُ، وَحُكِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنْهُمُ ابْنُ سِيرِينَ وَرُبَّمَا أُضِيفَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوا إِمَامَةَ الْأَعْمَى، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَتَوَقَّى الْأَنْجَاسَ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقُومُ عَلَى صَوَابِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهَا وَيُصَوَّبَ نَحْوَهَا، فَاعْتَوَرَهُ النَّقْصُ بِهَذَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>