وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا نُتِفَ مِنْ رِيشِهِ، وَيَعُودَ كَمَا كَانَ قَبْلَ نَتْفِ رِيشِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِعَوْدِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالنَّتْفِ قَبْلَ حُدُوثِ مَا اسْتَخْلَفَ؛ لِأَنَّ الرِّيشَ الْمَضْمُونَ بِالنَّتْفِ غَيْرُ الرِّيشِ الَّذِي اسْتَخْلَفَ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فيمن حنى عَلَى سِنِّهِ فَانْقَلَعَتْ، فَأَخَذَ دِيَتَهَا، ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّهُ وَعَادَتْ هَلْ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ مَا أَخَذَ مِنَ الدِّيَةِ أَمْ لَا؟
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَمْتَنِعَ الطَّائِرُ فَلَا يُعْلَمُ هَلِ اسْتَخْلَفَ رِيشُهُ أَمْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا ضَمَانُ نَفْسِهِ إِنْ تَلِفَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتْلَفَ مِنْ ذَلِكَ النَّتْفِ، وَهُوَ أَنْ يَمْتَنِعَ بَعْدَ النَّتْفِ فَيَطِيرَ مُتَحَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَيَسْقُطَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ فَيَمُوتَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، وَيَسْقُطُ ضَمَانُ نَقْصِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ شَاةٌ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَبْلَ النَّتْفِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّتْفِ، إِمَّا حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ مِنْ حَادِثٍ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعْلَمَ هَلْ مَاتَ منه ذَلِكَ النَّتْفِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ كُلَّهُ، وَيَضْمَنَ نَفْسَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ نَتْفِهِ، وَلَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَضْمَنَ إِلَّا قَدْرَ نَقْصِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ مَوْتِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ أَنَّهُ مِنْ حَادِثٍ غَيْرِهِ.
فَصْلٌ
: وَإِنْ صَارَ الطَّائِرُ بِالنَّتْفِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يمسكه ويطعمه ويسقيه لينظر ما يؤول إِلَيْهِ حَالُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَعِيشَ أَوْ يَمُوتَ، فَإِنْ عَاشَ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أحدهما: أَنْ يَعِيشَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَيَصِيرَ مَطْرُوحًا كَالْكَسِيرِ الزَّمِنِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، وَفِدَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّ الصَّيْدَ بِامْتِنَاعِهِ، فَإِذَا صَارَ بِجِنَايَتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَقَدْ أَتْلَفَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعِيشَ مُمْتَنِعًا، وَيَعُودَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّتْفِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ - عَلَى مَا مَضَى -:
أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ نَقْصِهِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ عَافِيًا مُمْتَنِعًا وَمَنْتُوفًا غَيْرَ ممتنع.