فَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْحَضَانَةِ، كَالْجَدِّ أَبَى الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهِ لَمْ تَحْرُمِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، لِضَعْفِ سَبَبِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْتَحِقًّا لِلْحَضَانَةِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُجْتَمِعًا مَعَ الْأُمِّ، فَحُكْمُ الْجَمْعِ مُخْتَصًّا بِهَا، وَلَا تَحْرُمُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَدَاهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مُجْتَمِعًا مَعَ الْأُمِّ، إِمَّا لِمَوْتِ الْأُمِّ أَوْ بُعْدِهَا، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُجْتَمِعًا مَعَ جَدَّاتِهِ الْمُدْلِيَاتِ بِأُمِّهِ، فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرْبَى مِنْ جَدَّاتِ أُمِّهِ، لقيامها فِي الْحَضَانَةِ مَقَامَ أُمِّهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُجْتَمِعًا مَعَ جَدَّاتِهِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: تَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِهِمْ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، إِذَا قِيلَ: تَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ الَّذِي أَدْلَوْا بِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقْرَبِهِمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، إِذَا قِيلَ بِتَحْرِيمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ ذَكَرًا كَالْجَدِّ أَبِي الْأَبِ جَازَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى كَالْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ لَمْ تَجُزِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ فِي الْجَدَّةِ تَرْبِيَةٌ لَيْسَتْ فِي الْجَدِّ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا كَانَ مَعَ الْأُمِّ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهَا فِي تَحْرِيمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، فَرَضِيَتْ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ حَقَّ الْجَمْعِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ، وَتُؤْخَذْ بِحَضَانَتِهِ فِي زَمَانِهَا، فَإِنْ عُتِقَ أَحَدُهُمَا جَازَ بَعْدَ عِتْقِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ أُعْتِقَتِ الْأُمُّ أَوِ الْوَلَدُ، لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَى الْحُرِّ، وَالْيَدُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَمْلُوكِ، فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا حَرَّمَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِبَيْعٍ، فَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ - أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، لِرِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بن أبي شبيب عن علي - عليه السلام - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَبَيْنَ وَلَدِهَا، فَنَهَاهُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ وَرَدَّ الْبَيْعَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو أُسَيْدٍ بِسَبْيٍ مِنَ الْبَحْرِينِ، فَصَفُّوا لِيَنْظُرَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرأى امرأة تبكي، فقال: مالك