للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْنَا: لَا يَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَكَانَ الْحَاكِمُ أَحَقَّ بِهِ، وَقَضَاءَ الدِّينِ غَيْرُ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَكَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِهِ - فَعَلَى هَذَا إِذَا قِيلَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً لَا يَتَجَاوَزُهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ فَاقْتَضَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدَةِ، فَلَمْ يَلْزَمِ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَوْقَعَهَا الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ أَوِ الْحَاكِمُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَهِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ كَمَا يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مُضِيَّ الْمُدَّةِ مَوْقِعًا لِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ، اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْفُرْقَةِ لَا يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ وَالْعُيُوبِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَصْدَ بِالطَّلَاقِ رَفْعُ الْإِضْرَارِ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْإِضْرَارُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُرَاجِعُ بَعْدَهُ فَيَعُودُ الْإِضْرَارُ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَائِنًا لِيَرْتَفِعَ بِهِ الْإِضْرَارُ.

وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُهُ فَوَجَبَ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْعِوَضِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الرَّجْعَةَ كَطَلَاقِ غَيْرِ الْمُولِي؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ كَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ فِي الْعِتْقِ فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْوَلَاءَ فِي وَاجِبِ الْعِتْقِ وَتَطَوُّعِهِ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الرَّجْعَةَ فِي وَاجِبِ الطَّلَاقِ وَتَطَوُّعِهِ، فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ فَأَمَّا رَفْعُ الْإِضْرَارِ فَقَدْ يَرْتَفِعُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ تَعَجَّلَ رَفْعُ الضَّرَرِ، وَإِنْ رَاجَعَ تَأَخَّرَ رَفْعُ الضَّرَرِ، وَهُوَ فِي الْحَالَيْنِ رَافِعٌ لِلضَّرَرِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّلْقَةَ رَجْعِيَّةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُوقِعَ لَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُوقِعَ لَهَا جَازَ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، فَتُطَلَّقُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَمَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَقَدْ بَانَتْ، فَإِنِ اسْتَأْنَفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ يَعُودُ الْإِيلَاءُ فَيُوقِفُ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يُطَالَبُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي فِي الْجَدِيدِ: إنَّهُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ وَلَا يُوقَفُ وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ بَاقِيَةً لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا قَبْلَ النِّكَاحِ وَإِنْ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ وُقِفَ لَهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، وَكَانَ أَوَّلُ زَمَانِ الْوَقْفِ مِنْ بَعْدِ الرَّجْعَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>