وروى أبو عبد الرحمن - يعني الحبلي - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَ ".
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَذَانِ كُلِّهِ إِلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَيَقُولُ الْمُسْتَمِعُ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَيَقُولُ الْمُسْتَمِعُ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِأَنَّ مَا سِوَى هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ ذِكْرُ اللَّهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُسْتَمِعُ، وَهَذَانِ الْمَوْضِعَانِ خِطَابٌ لِلْآدَمِيِّينَ فَعَدَلَ الْمُسْتَمِعُ عَنْهُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ في الاستغاثة به والرغبة إليه في إمامة الصَّلَاةِ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَا فَمِنَ السُّنَّةِ لِكُلِّ مُسْتَمِعٍ أَنْ يَقُولَهُ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالْأَذَانِ الَّذِي يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ هَذَا [دُعَاءٌ] وَذَلِكَ نِدَاءٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَمِعُ مِمَّنْ يَحْضُرُ تِلْكَ الْجَمَاعَةَ أَوْ لَا يَحْضُرُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَمِعُ عَلَى غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَطَعَ قِرَاءَتَهُ، وَقَالَ كَقَوْلِهِ: فَإِذَا فَرَغَ عَادَ فِي قِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي طَوَافٍ قَالَهُ وَهُوَ عَلَى طَوَافِهِ، لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَلَامِ فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُسْتَمِعُ فِي صَلَاةٍ أَمْسَكَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَهُ فَإِنْ خَالَفَ وَقَالَهُ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى شِبْهِ الْمُسْتَمِعِ، أَوْ عَلَى شِبْهِ الْمُؤَذِّنِ، فَإِنْ قَالَهُ عَلَى شِبْهِ لِسَانِ الْمُسْتَمِعِ وَأُبْدِلَ مِنْ قَوْلِهِ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " كَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً سَوَاءٌ أَتَى بِذَلِكَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا، لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسَدْ صَلَاتُهُ، كَالْقَارِئِ فِي رُكُوعِهِ، وَالْمُسَبِّحِ فِي قِيَامِهِ وَإِنْ قَالَهُ عَلَى شِبْهِ الْمُؤَذِّنِ فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ قَالَهُ نَاسِيًا لِصَلَاةٍ أَوْ جَاهِلًا، بِأَنَّ مَا قَالَهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَالْمُتَكَلِّمْ نَاسِيًا، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَلَاتِهِ عَالِمًا بِأَنَّ مَا قَالَهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كالمتكلم عامدا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute