قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: جُمْلَةُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ، الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ، فَبَدَأَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَجِّ لِتَغْلِيظِ حُكْمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ مَعَ السَّفَرِ فِيهِ عَنِ الْوَطَنِ، فَإِذَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا فِيهِ مَعَ الزَّوْجِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بإذنه، أو غير إِذْنِهِ. فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَارَتْ بِالْإِحْرَامِ فِي حُكْمِ النَّاشِزِ وَنَفَقَتُهَا سَاقِطَةٌ عَنْهُ سَوَاءٌ أَحَرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ أَوْ وَاجِبٍ. لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَاسْتِمْتَاعَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مُحِلًّا يَقْدِرُ عَلَى الْإِصَابَةِ أَوْ كَانَ مُحْرِمًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحُدُوثِ الِامْتِنَاعِ مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْهَا. أَلَا تَرَاهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَخَرَجَتْ مِنْهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِالْغِيبَةِ عَلَى إِصَابَتِهَا، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ، لِأَنَّ إِذْنَهُ لَهَا قَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَاجْتِمَاعِهَا مَعَهُ قَدْ أَخْرَجَهَا مِنْ مُبَاعَدَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا قَوْلَانِ:
أَظْهَرُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إليه هاهنا، لِأَنَّ إِحْرَامَهَا عَنْ إِذْنِهِ فَأَشْبَهَ إِذَا كَانَ مَعَهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النُّشُوزِ. لِأَنَّهَا سَافَرَتْ عَنْهُ فَأَشْبَهَ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْعُمْرَةِ.
[(فصل)]
(القول في نفقة المعتكفة)
وَأَمَّا اعْتِكَافُهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِي مَنْزِلِهَا إِذَا قِيلَ بِجَوَازِ اعْتِكَافِهَا فِيهِ فَلَهَا نَفَقَتُهَا إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا. لِأَنَّهَا لَمْ تَبْعُدْ عَنْهُ وَيَقْدِرْ عَلَى إِخْرَاجِهَا مِنْهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدٍ خَارِجَ مِنْ مَنْزِلِهَا. فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَنْ إِذْنِهِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ. فَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ إِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ عَنْ إِذْنِهِ وَهُوَ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَعَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَجِّ.
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا.
وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute