للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَذَانَهُ، وَلَا يَفْصِلَهُ بِالسُّكُوتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِلْبَاسِ وَفَسَادِ الْإِعْلَامِ فَإِنْ سَكَتَ فِي أَثْنَاءِ أَذَانِهِ بَنَى، وَيُسْتَحَبُّ لَوْ أَطَالَ السُّكُوتَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ، لِأَنَّ أَذَانَ الْوَقْتِ يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ بِقِرَاءَتِهِ على الصحيح من المذهب.

(فَصْلٌ)

: فَلَوْ نَامَ فِي أَذَانِهِ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ، فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِي طَوِيلِ الزَّمَانِ وَقَصِيرِهِ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْأَذَانِ، فَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ أَجْزَأَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ، فَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي خِلَالِ أَذَانِهِ فَبَنَى أَجْزَأَهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ فَتَيَمَّمَ فِي أَذَانِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ، فَأَمَّا إِذَا ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي تَضَاعِيفِ أَذَانِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِ الْأَذَانِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَذَانِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِبُطْلَانِهِ بِالرِّدَّةِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِهِ فِي الْحَالِ وَتَفْرِيقِهِ لَا يُمْنَعُ الْبِنَاءُ، فَلَوْ مَاتَ فِي أَذَانِهِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ الْبَنَاءُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِخْلَافُ غَيْرِهِ فِي تَمَامِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ يَأْتِي بِهَا كَامِلَةً وَإِنْ بَنَى عَلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ، وَالْمُسْتَخْلَفُ فِي الْأَذَانِ إِذَا بَنَى لَمْ يَأْتِ بِهِ كَامِلًا فَلَمْ يُجْزِهِ فَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي الْخُطْبَةِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَالْأَذَانِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ والله أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وما فات وقته أقام ولم يؤذن وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُبِسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهُوِيٍّ من الليل فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وجمع بعرفة بأذان وإقامتين وبمزدلفة بإقامتين ولم يؤذن فدل أن من جمع في وقت الأولى منهما فبأذان وفي الآخرة فبإقامة وغير أذان ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِيمَنْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِقَامَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَمَنْهِيٌّ عَنِ الْأَذَانِ لِمَا سوى الصلاة الأولة، وهل من السنة أن يؤذن للصلاة الأولة أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: وَبِهِ قال في القديم أنه يؤذن للصلاة الأولة، وَيُقِيمُ لِمَا سِوَاهَا لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ فَعَرَّسَ بِالْوَادِي فَلَمْ يَسْتَيْقِظُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ لِلصُّبْحِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ فَأَقَامَ لِلصُّبْحِ وَصَلَّى بِهِمْ، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَاسْتَوَى حَالُهُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ كَالْإِقَامَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>