للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: يَبْطُلُ بِقَتْلِ الْقَمْلِ، قِيلَ: الْقَمْلُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِإِزَالَةِ الْأَذَى مِنْ رَأَسِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ إِذَا قَتَلَهُ مِنْ عَلَى بَدَنِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إِذَا قَتَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ مِنَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ إِنَّمَا يُوجِبُ الْمِثْلَ أَوِ الْقِيمَةَ الْكَامِلَةَ، فَلَمَّا كَانَ قَتْلُ السَّبُعِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْمِثْلِ وَلَا لِلْقِيمَةِ الْكَامِلَةِ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مضمونٍ.

فَإِنْ شِئْتَ حَرَّرْتُ ذَلِكَ قِيَاسًا فَقُلْتُ: لِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُضْمَنْ بِالْمِثْلِ وَلَا بِكَمْالِ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ كَالذِّئْبِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الصَّيْدِ لَا يَقَعُ عَلَى السَّبُعِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْبَرِّ، وَلَيْسَ السَّبُعُ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْبَرِّ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّيْدَ مَا وَجَبَ فِيهِ الْمِثْلُ عِنْدَنَا أَوِ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمْ، وَالسَّبُعُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ وَلَا القيمة الكاملة فلم تكن مِنَ الصَّيْدِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الضَّبُعِ فَالْمَعْنَى فيه: أنه صيدٌ مأكولٌ، فليس كَذَلِكَ السَّبُعُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْجَزَاءَ غَيْرُ مقصورٍ عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّمْعِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ متولدٌ مَا بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ، فَغَلَبَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّبُعُ، فَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ صِغَارِ ذَلِكَ وَكِبَارِهِ.

وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ، وَيُضْمَنُ بِالْجَزَاءِ، يَسْتَوِي حُكْمُ صِغَارِهِ وَكِبَارِهِ فَكَذَلِكَ مَا يُسْتَبَاحُ مَعَ الْإِحْرَامِ، وَيَسْقُطُ فِيهِ الْجَزَاءُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ صِغَارِهِ وَكِبَارِهِ، كَالْحَشَرَاتِ فَإِذَا ثَبَتَ سُقُوطُ الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ مُؤْذٍ لَمْ يَحْرُمْ قَتْلُهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا فَفِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ لِضَعْفِ حُرْمَتِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَتْلُهُ حَرَامٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ ".

فَصْلٌ

: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَإِذَا صَالَ الصَّيْدُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَقَالَ فِي السَّبُعِ إِذَا صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْفَحْلُ إِذَا صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، عِنْدَنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَنَقُولُ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ، كَالصَّيْدِ إِذَا صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَنَجْعَلُ الصَّيْدَ أَصْلًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>