للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ خَالَفَهُ فَأَوْجَبَ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَتَعَارَضَ قَوْلَاهُمَا وَلَزِمَتِ الْحُكُومَةُ، وَخَالَفَ التَّرْقُوَةَ وَالضِّلَعَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مخالف لعمرو، وَلَوْ قَدَّرَهُ عُمَرُ بِالْجَمَلِ تَقْدِيرًا عَامًّا فِي جَمِيعِ النَّاسِ مَا جَازَ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ صَارَ إِجْمَاعًا، وَلَكِنَّهُ قَضَى بِهِ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ انْتَهَتْ حُكُومَتُهُ إِلَيْهِ، وَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ اجْتِهَادُهُ فِي غَيْرِهِ إِلَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الشَّيْنِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ حَدًّا، وَخَالَفَ حُكْمَ الصَّحَابَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الَّذِي يَكُونُ اجْتِهَادُهُمْ فِيهِ مَتْبُوعًا، لِأَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ فِي التَّرْقُوَةِ وَالضِّلَعِ حُكُومَةٌ فَإِنِ انْجَبَرَ مُسْتَقِيمًا قَلَّتْ حُكُومَتُهُ، وَإِنِ انْجَبَرَ مُعَوَّجًا كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ اعْوِجَاجِهِ قَدْ صَارَ ذَا عُقْدَةٍ كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَكْثَرَ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الشَّيْنِ فِي الْحُكُومَاتِ معتبرة، وَكَذَلِكَ إِذَا كَسَرَ سَائِرَ عِظَامِ الْجَسَدِ سِوَى الْأَسْنَانِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ ضَرَرِهِ وَشَيْنِهِ لَا يَبْلُغُ دِيَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ إِلَّا أَنْ يُشَلَّ، فَلَوْ ضَرَبَ عَظْمَهُ حَتَّى تَشَظَّى لَمْ يَجِبْ فِيهِ دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ وَلَا هَاشِمَةٍ كَمَا لَا تَجِبُ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ فِي الرأس، وكانت الحكومة [فيه بقدر ألمه وضرره وشينه، فلو أنفذ عظمه وأخرج مخه كانت الْحُكُومَةُ] أَكْثَرَ، لِأَنَّ الضَّرَرَ أَعْظَمُ وَالْخَوْفَ أَكْثَرُ، وَلَوْ سَلَخَ جِلْدَهُ فَضَرَرُهُ أَعْظَمُ وَخَوْفُهُ أَكْثَرُ، وَفِيهِ حُكُومَةٌ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ النَّفْسِ، وَيُعْتَبَرُ انْدِمَالُهُ، فَإِنْ عَادَ جِلْدُهُ كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَقَلَّ منها إذا لم يعده وَلَوْ لَطَمَهُ فَإِنْ أَثَّرَ فِي جِلْدِهِ أَثَرًا بَقِيَ شَيْنُهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيُعَزَّرُ اللَّاطِمُ أَدَبًا، فَصَارَ تَقْدِيرُ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ لِلْجِنَايَةِ أَثَرُ شَيْنٍ فِي الْجُرْحِ، أَوْ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ، أَوْ فِي اللَّطْمِ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَلِكَ أَثَرُ شَيْنٍ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ وَفِي جُرْحِ الْجَسَدِ وَفِي اللَّطْمِ وَجَبَ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ حُكُومَةٌ وَلَمْ تَجِبْ فِي اللَّطْمَةِ حُكُومَةٌ، وَفِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ فِي الْجُرْحِ وَجْهَانِ، لِأَنَّ الْعَظْمَ وَإِنِ انْجَبَرَ مُسْتَقِيمًا فَهُوَ بَعْدَ الْجَبْرِ أَضْعَفُ مِنْهُ قَبْلَهُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِيهِ الْحُكُومَةُ وَاللَّطْمَةُ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْجَسَدِ شَيْئًا وَلَا ضَعْفًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا حُكُومَةٌ.

فَأَمَّا الْجُرْحُ فَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِيهِ حُكُومَةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسَالَ دَمًا وَأَحْدَثَ نَقْصًا كَالْعَظْمِ إِذَا انْجَبَرَ مُسْتَقِيمًا.

وَالثَّانِي: لَا حُكُومَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ شَيْنًا وَلَا ضَعْفًا كَاللَّطْمَةِ إِذَا لَمْ تُحْدِثْ أَثَرًا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>