أَوْ طَعَامًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ طَحْنَهُ أَوْ مَتَاعًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ نَقْلَهُ فَالْجَوَابُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ واحد والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ بِعْنِي هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ إِرْدَبٍّ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي إِرْدَبًّا أَوْ أَنْقُصَكَ إِرْدَبًّا كَانَ فَاسِدًا وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا بَيْعُ الصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ جُزَافًا لَا يُعْلَمُ قَدْرَ كَيْلِهَا فَجَائِزٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالصِّفَةِ تَارَةً وَبِالْمُشَاهَدَةِ تَارَةً وَهَذِهِ الصُّبْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ كَيْلُهَا بِالصِّفَةِ فَقَدْ تَقَدَّرَتْ جُمْلَتُهَا بِالرُّؤْيَةِ. وَإِنْ وَجَدَ الصُّبْرَةَ عَلَى رَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ دَكَّةٍ أَوْ وَجَدَ داخلها عفنا أو ندبا أَوْ مَعِيبًا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْمَقَامِ أَوِ الْفَسْخِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِسُوقِ الطَّعَامِ فَرَأَى طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَرَأَى تَحْتَهُ نَدِيًّا فَأَظْهَرَ النَّدَاوَةَ وَقَالَ هكذا تبيعوا مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا. وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَنِي جِبْرِيلُ بِأَنْ أُدْخِلَ يَدِيَّ فِيهِ ". فَلَوِ ابْتَاعَ مِنْهُ نِصْفَ الصُّبْرَةِ أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ رُبْعَهَا مَشَاعًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَ كَيْلِهَا جَازَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَبْتَاعَ جَمِيعَهَا مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِ كَيْلِهَا جَازَ ابْتِيَاعُ نِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا لِأَنَّهُ قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُشَاهَدَةٍ فَصَارَ كَابْتِيَاعِ نِصْفِ دَارٍ مُشَاهَدَةٍ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ زَرْعِهَا، فَلَوِ ابْتَاعَ مِنْهُ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَبْلَغَ كَيْلِهَا جَازَ لِأَنَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَقَدْ عَقَدَاهُ بِمَا يَصِيرُ الثَّمَنُ بِهِ مَعْلُومًا بَعْدَ الْعَقْدِ. فَلَوِ ابْتَاعَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنَ الصُّبْرَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ عَلِمَا أَنَّ فِي الصُّبْرَةِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَأَكْثَرَ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. فَلَوِ ابْتَاعَ من الصبرة كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا ابْتَاعَهُ مِنْهَا بِقُفْزَانٍ مَعْلُومَةٍ وَلَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ فِي الْجُمْلَةِ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ مِنْهَا مَجْهُولٌ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ مِنْهَا وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُ وَهُوَ قَوْلٌ مَنْ ذَهَبَ فِي الْإِجَارَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِينَارٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ وَجَمِيعِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْقَفِيزِ مِنَ الصُّبْرَةِ وَذِكْرَ الشَّهْرِ فِي الْإِجَارَةِ إِنَّمَا هُوَ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ لا لِتَقْدِيرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمْلَةِ. وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: قَدْ بِعْتُكِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ قَفِيزًا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْقَفِيزِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُ الْمَبِيعِ بِهِ وَبَطَلَ فِيمَا سِوَاهُ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ آجرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ بِحِسَابِهِ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ وَبَطَلَتْ فِيمَا سِوَاهُ. فَلَوِ ابْتَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ بِدِرْهَمٍ فَتَلِفَتِ الصُّبْرَةُ إِلَّا قَفِيزًا مِنْهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَتَعَيَّنُ فِي الْقَفِيزِ الْبَاقِي فَيَصِيرُ كُلُّهُ مَبِيعًا وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فيه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute