النَّاجِزَةُ وَالْمَوْصُوفُ السَّلَمُ فِي الذِّمَّةِ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّصِّ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْمَعْنَى عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ.
فَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدِ انْعَقَدَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَلَمْ يُخَالِفْ بَعْدَهُمْ إِلَّا ابْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَدْ حُكِيَتْ عَنْهُ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ أَبْطَلَ السَّلَمَ وَمَنَعَ مِنْهُ وَهُوَ إِنْ صَحَّتِ الْحِكَايَةُ عَنْهُ فَمَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمُوا مَعَ مَا ذكرنا من النصوص الدالة والمعنى الموجب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: " قد أَذِنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي الرَّهْنِ وَالسَّلَمِ فَلَا بَأْسَ بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِيهِ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي السَّلَمِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَثِيقَةٌ فِي الثَّمَنِ دُونَ الْمُثَمَّنِ فَأَشْبَهَ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهَا وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] . وَرَدَ هَذَا فِي آيَةِ الدَّيْنِ فَكَانَ إِبَاحَةُ الرَّهْنِ وَالسَّلَمِ نَصًّا وَفِي غَيْرِهِ اسْتِدْلَالًا لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَوْثَقَ فِيهِ بِالشَّهَادَةِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَوْثَقَ فِيهِ بِالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ فِي الْمُثَمَّنِ وَجَازَ فِي الثَّمَنِ وَجَبَ إِذَا لَمْ يَجُزْ فِي السَّلَمِ أَخْذُ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَجُوزَ فِي الْمُثَمَّنِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَقَطَ اسْتِدْلَالُهُمْ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي السَّلَمِ فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ فِيهِ رَهْنًا كَانَ لِلْمُسَلِّمِ مُطَالَبَةُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ بِيعَ الرَّهْنُ بِجِنْسِ الْأَثْمَانِ ثُمَّ اشْتَرَى بِمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسَلِّمُ فِي سِلْمِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ الرَّهْنُ بِالسَّلَمِ الْمُسْتَحَقِّ إِلَّا عَنْ رِضَا الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ وَإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الرُّهُونَ الْمَبِيعَةَ عَلَى أَرْبَابِهَا إِنَّمَا تُبَاعُ بِغَالِبِ أَثْمَانِهَا وَإِنْ كَانَتِ الْوَثِيقَةُ فِي السَّلَمِ ضَمَانًا ضَمِنَهُ فَالْمُسَلِّمُ إِذَا حَصَّلَ حَقَّهُ الْخِيَارُ فِي مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ بِهِ أَوِ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنَ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بَرِئَ وَبَرِئَ الضَّامِنُ مَعَهُ وَلَوْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنَ الضَّامِنِ كَانَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بِهَا إِذَا كَانَ ضَمَانُهُ بِأَمْرِهِ دُونَ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنَ الضَّامِنِ كَانَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بِهَا إِذَا كَانَ ضَمَانُهُ بِأَمْرِهِ دُونَ قِيمَتِهِ سَوَاءً كَانَ الْمُسَلِّمُ مِمَّا يَضْمَنُ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْمِثْلِ كَالْحِنْطَةِ أَوْ بِالْقِيمَةِ كَالثِّيَابِ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ مُطَالَبَةُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ بِغَيْرِ مَا ضَمِنَ عَنْهُ قَبْلَ أَدَائِهِ عَنْهُ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِخِلَافِهِ؛ فَلَوْ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إِلَيْهِ دَفَعَ السَّلَمَ إِلَى الضَّامِنِ فَإِنْ جَعَلَهُ رَسُولًا فِي دَفْعِهِ إِلَى الْمُسَلِّمِ جَازَ فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الضَّامِنِ لَمْ يُلْزِمْهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ دَفْعَهُ إِلَيْهِ قَضَى مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الضَّامِنَ يَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَهُ مَا لَيْسَ لَهُ فَلَوْ تَلِفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute