البويطي. حملا رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ عَلَى نَفَقَةِ الْمَتَاعِ دُونَ الْعَامِلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَدْفُوعٌ بِمَا بَيَّنَهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ مِنْ قَوْلِهِ نَفَقَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَثَمَنُ مَا يَشْتَرِيهِ فَيَكْتَسِبُهُ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَجَامِعِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَمَالِكٍ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّفْرِيعُ.
فَتَجِبُ نَفَقَةُ مَرْكُوبِهِ فِي سَفَرِهِ وَمَسِيرِهِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مِثْلِ سَفَرِهِ، وَتَجِبُ نَفَقَةُ مَأْكُولِهِ وَمَلْبُوسِهِ الْمُخْتَصِّ بِلِبَاسِ سَفَرِهِ.
وَفِي تَقْدِيرِ نَفَقَتِهِ وَجْهَانِ لِاخْتِلَافِ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَتَقْدِيرُهَا أَدْفَعُ لِلْجَهَالَةِ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا معتبرة بالمعروف من غير تقدير لأنها مؤونة فِي عَمَلِ الْقِرَاضِ فَاشْتَبَهَتْ بِسَائِرِ مُؤَنِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيرَهَا يُفْضِي إِلَى اخْتِصَاصِ الْعَامِلِ بِفَضْلِهَا إِنْ رَخُصَ السِّعْرُ، أَوْ إِلَى تَحَمُّلِ بَعْضِهَا إِنْ عَلَا فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ فِيهَا أُجْرَةُ حَمَّامٍ وَلَا حَجَّامٍ وَلَا ثَمَنُ دَوَاءٍ وَلَا شَهْوَةٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَهُ فِي نَفَقَتِهِ أُجْرَةُ حَمَّامِهِ وَحَجَّامِهِ وَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ دَوَائِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْ شَهَوَاتِهِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ أَوْكَدُ مِنْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ بِسَفَرِهِ وَلَا بِعَمَلِهِ، فَأَشْبَهَ صَدَاقَ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَنَفَقَةَ مَنْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا عَلَى أَنَّ مُزَاحَمَاتِهَا مَنْ جُعِلَ لَهُ نَفَقَةُ السَّفَرِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِيهِمْ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْقِيَاسِ فَإِنْ دَخَلَ فِي سَفَرِهِ بَلَدًا فله النفقة ما أقام في مَقَامَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ أَرْبَعًا فَإِنْ زَادَ عَلَى إِقَامَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ مَرَضٍ طَرَأَ أَوْ عَارِضٍ يَخْتَصُّ بِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ دُونَ الْقِرَاضِ. وَإِنْ كَانَ مُقَامُهُ لِأَجْلِ مال القراض انتظار البيعة وَقَبْضِ ثَمَنِهِ أَوِ الْتِمَاسًا لِحِمْلِهِ أَوْ لِسَبَبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَنَفَقَتُهُ فِيهِ كَنَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ لاختصاصه بالقراض.
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ خَرَجَ بمالٍ لِنَفْسِهِ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ ".