(فَصْلٌ)
: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي زَوَالِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَعْذَارِ، وَالضَّرُورَاتِ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، فَأَمَّا إِذَا طَرَأَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ عَلَى إِنْسَانٍ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِحُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إِسْقَاطِ الصَّلَاةِ بِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ، ثُمَّ يُعْقِبُهُ بِحُكْمِ صَلَاةِ الْوَقْتِ الَّذِي طَرَأَ الْعُذْرُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهِ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْحُكْمُ فِي إِسْقَاطِ الصَّلَاةِ بِهِ.
فَنَقُولُ: أَمَّا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَيُسْقِطَانِ فَرْضَ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَيْضِ "، وَأَمَّا الْكُفْرُ إِذَا طَرَأَ بِالرِّدَّةِ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ قَوْلِ أبي حنيفة، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ مِنْ بَعْدُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الْجُنُونُ فَيُسْقِطُ فَرْضِ الصَّلَاةِ إِجْمَاعًا لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: ذَكَرَ فِيهَا الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ "، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَيُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ إِذَا اسْتَدَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنِ اسْتَدَامَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى دَخَلَتِ الصَّلَاةُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ سَقَطَ فَرْضُهَا، وَإِنْ قَصَرَ عَنِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ حَتَّى لَمْ تَدْخُلِ الصَّلَاةُ فِي التَّكْرَارِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهَا وَلَزِمَ إِعَادَتُهَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ - الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ، وَالْمَغْرِبُ، وَالْعِشَاءُ، - فَلَمَّا أَفَاقَ قَضَاهَا قَالَ: وَلِأَنَّ الْخَمْسَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، وَلَيْسَ فِي إِعَادَتِهَا مَشَقَّةٌ، وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَفِي إِعَادَتِهَا مَشَقَّةٌ قَالَ: وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصِّيَامِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسْقِطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَالسُّكْرِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرَّجُلُ يُغْمَى عَلَيْهِ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَقَالَ: " لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إِلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فَيُفِيقَ فِي وَقْتِهَا فَيُصَلِّيَهَا "، هَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مَعَهُ قَضَاءُ الْمَتْرُوكِ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لَمْ يَلْزَمْ مَعَهُ قَضَاءُ الْمَتْرُوكِ فِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ كَالْجُنُونِ طَرْدًا، وَالسُّكْرِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُهَا فِي الْجُنُونِ لَمْ يُقْضَ فَإِذَا مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُهَا فِي الْإِغْمَاءِ لَمْ يُقْضَ قِيَاسًا عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ طَرْدًا، وَكَوَقْتِ الظُّهْرِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى يَسْقُطُ مَعَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ مَعَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ، كَالصِّغَرِ، وَلِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ ضَرْبَانِ:
ضَرْبٌ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ فَيَسْتَوِي قَلِيلُ الزَّمَانِ وَكَثِيرُهُ كَالسُّكْرِ، وَضَرْبٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute