وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ الْمُوَلَّى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْتَكْمِلٌ لِلشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ وَكَانَ بِالْقَبُولِ مَجْرُوحًا.
وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ أَنْ يَكُونَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي.
فَإِنْ شَرَعَ فِي النَّظَرِ قَبْلَ الْقَبُولِ فَهَلْ يَكُونُ شُرُوعُهُ فِيهِ قَبُولًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَبُولًا كَالنُّطْقِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ أَحْكَامُهُ نَافِذَةً.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ قَبُولًا حَتَّى يُصَرِّحَ بِالْقَبُولِ نُطْقًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّظَرِ فَرْعٌ لِعَقْدِ الْوِلَايَةِ فَلَمْ يَفْقِدْ بِهِ قَبُولَهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ أحكامه مردودة.
[(فصل: لزوم العقد)]
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ لُزُومُ الْعَقْدِ: فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي لُزُومِهِ لِأَهْلِ الْعَمَلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي لُزُومِهِ لِلْمُوَلِّي وَالْمُوَلَّى لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِمَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ كَالْوَكَالَةِ. وَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمُسْتَنِيبِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُسْتَنَابِ.
وَيَجُوزُ لِلْمُوَلِّي أَنْ يَعْزِلَهُ إِذَا شَاءَ.
وَالْأَوْلَى بِالْمُوَلِّي أَنْ لَا يَعْزِلَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ.
وَأَنْ لَا يَعْزِلَ الْمُوَلَّى نَفْسَهُ إِلَّا لِعُذْرٍ.
فَإِنْ كَانَ الْعَزْلُ مِنَ الْمُوَلِّي إِشَاعَةً حَتَّى لَا يَنْظُرَ الْمُوَلَّى بَعْدَ الْعَزْلِ فَإِنْ نَظَرَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ كَانَ فِي نُفُوذِ أَحْكَامِهِ وَجْهَانِ كَعَقْدِ الْوَكِيلِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهِ.
وَإِنْ كَانَ الِاعْتِزَالُ مِنَ الْمُوَلَّى إِشَاعَةً لِيُقَلِّدَ الْمُوَلِّي غَيْرَهُ فَإِنْ حَكَمَ بَعْدَ اعْتِزَالِهِ رُدَّ حُكْمُهُ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْعَمَلِ فَالتَّقْلِيدُ لَازِمٌ فِي حُقُوقِهِمْ بِإِظْهَارِ الطَّاعَةِ وَالْتِزَامِ الْحُكْمِ.
فَإِنِ امْتَنَعُوا مِنِ الْتِزَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْضَحُوهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أُرْهِبُوا.
فَإِنْ أَقَامُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ حُورِبُوا لِأَنَّ الْتِزَامَ الْقَضَاءِ مِنَ الْفُرُوضِ فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنِ الْتِزَامِهِ حُورِبُوا عَلَيْهِ كَمَا يُحَارَبُونَ عَلَى امْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْفُرُوضِ وَلُزُومُ الطَّاعَةِ صِحَّةُ التَّقْلِيدِ.
وَعِلْمُهُمْ بِهَا مُخْتَلِفٌ بِقُرْبِهِمْ وَبُعْدِهِمْ.
فَإِنْ بَعُدُوا مِنْ أَنْ يَشِيعَ خَبَرُ التَّقْلِيدِ فِيهِمْ أَشْهَدَ الْمولى عَلَى نَفْسِهِ شَاهِدَيْنِ بِالتَّقْلِيدِ وَالْعَهْدِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمَا وَعِلْمِهِمَا بِمَا فِيهِ حَتَّى يَشْهَدَا بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَرَفُوا عَدَالَتَهُمَا لَزِمَتْهُمُ الطَّاعَةُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ تَلْزَمْهُمُ الطَّاعَةُ حَتَّى يَكْشِفُوا عَنِ الْعَدَالَةِ.