وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا شَاهِدَانِ وَوَرَدَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى فَأَخْبَرَهُمْ بِوِلَايَتِهِ لَا تَلْزَمُهُمُ الطَّاعَةُ إِنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ.
وَفِي لُزُومِهَا لَهُمْ إِنْ صَدَّقُوهُ وجهان:
أحدهما: تلزمهم لأنهم اعترفوا بحق عَلَيْهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَلْزَمُهُمْ لِمَا يَتَضَمَّنُهَا مِنْ إِقْرَارِهِمْ عَلَى الْمُوَلَّى.
وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ قَرِيبًا مِنَ الْمُوَلَّى أَشَاعَ الْوِلَايَةَ حَتَّى يَسْتَفِيضَ بِهَا الْخَبَرُ.
وَفِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِشَاعَةِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكْتَفِي بِهَا لِأَنَّهَا أَوْكَدُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكْتَفِي بِهَا حَتَّى يَشْهَدَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَخَصُّ.
فَإِنْ جُعِلَتِ الْإِشَاعَةُ كَافِيَةً لَزِمَتِ الطَّاعَةُ وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ كَافِيَةً لَمْ تَلْزَمِ الطَّاعَةُ.
وَلَيْسَ كَتْبُ الْعَهْدِ شَرْطًا فِي التَّقْلِيدِ، قَدْ كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا وَلَمْ يَكْتُبْ لِمُعَاذٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَى وَصِيَّتِهِ وَإِنَّمَا يُرَادُ الْعَهْدُ لِيَكُونَ شاهدا بما تضمنه من صفات التقليد وشروطه.
(هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لمذهب الإمام؟)
وَلَا يَلْزَمُ فِي تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الْمُوَلَّى مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْمُوَلِّي، وَلَا يَمْنَعُ اخْتِلَافُ مَذْهَبَيْهِمَا مِنَ التَّقْلِيدِ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُقَلِّدَ حَنَفِيًّا وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يُقَلِّدَ شَافِعِيًّا لِأَنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَيَعْمَلَ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ لَا عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
(حُكْمُ الْقَاضِي بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ)
:
فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ فِي قَضِيَّةٍ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُ مَنِ اعْتَزَى إِلَى مَذْهَبٍ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ لِتَوَجُّهِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَتِ السِّيَاسَةُ تَقْتَضِيهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ وَتَمَيُّزِ أَهْلِهَا. فَحُكْمُ الشَّرْعِ لَا يُوجِبُهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ حُكْمٍ طَرِيقَةُ الاجتهاد.
فإذا قضى في حكم باجتهاد ثم أراد أن يقضي فيه من بعد لزمه إعادة الِاجْتِهَادِ.
فَإِنْ أَدَّاهُ إِلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ مَاضِيًا وَقَدْ شَرِكَ عُمَرُ فِي عَامٍ، وَلَمْ يَشْرَكْ فِي عَامٍ وَقَالَ هَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَتِلْكَ عَلَى ما قضينا.
(هل للإمام أن يشترط على القاضي القضاء بمذهب معين؟)
فَإِنْ شَرَطَ الْمُوَلِّي عَلَى الْمُوَلَّى فِي عَقْدِ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ