للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ وَحْدَهُ فَأَمَّا الدِّيَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَمَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ وَالْعَفْوِ عَنْهُ كَالْمُرْتَدِّ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ، وَسَلَامَتِهِ بِالتَّوْبَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ يُوجِبُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا الْقَوَدُ وَإِمَّا الدِّيَةُ فَعَلَى هَذَا فِي جَوَازِ رَهْنِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْقَاتِلِ الْخَطَأِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ رَهْنُهُ؛ لأنه قَدْ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَأَمَّا بَيْعُهُ فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ رَهْنَهُ جَائِزٌ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُرْتَهِنِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ.

فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِجِنَايَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَيْبٌ إِذَا عُلِمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِيهَا ثُمَّ يَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إِلَى مَالٍ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِ مَالٍ.

فَإِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْقِصَاصِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ، أَوْ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ كَانَ رَهْنًا بِحَالِهِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ لِعِلْمِهِ بِجِنَايَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي نَفْسِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ كَالْمُسْتَحَقِّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ كَانَ عَالِمًا بِهِ فَهَذَا حُكْمُ الْقِصَاصِ.

وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إِلَى مَالٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ سَيِّدِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ

إِمَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ لَا يَفْدِيَهُ. فَإِنْ فَدَاهُ مِنْ مَالِهِ وَدَفَعَ أَرْشَ جِنَايَتِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ.

وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَلَا غَيْرُهُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ.

وَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ كَالْمُسْتَحَقِّ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ عَلِمَ بِهِ فَهَذَا حُكْمُ الْعَفْوِ إِلَى مَالٍ. وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إِلَى غَيْرِ مَالٍ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>