للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَعْلَمَ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ العتق فقد قال الشافعي هاهنا فَهُوَ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عِتْقَهُ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ فِي الزَّكَاةِ إِنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ فِطْرِهِ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَوَابَيْنَ إِلَى الْآخَرِ وَخَرَّجَ إِجْزَاءَ عِتْقِهِ وَوُجُوبَ زَكَاتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ مَوْتِهِ فَحَمَلَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى يَقِينِ الْحَيَاةِ دُونَ الشَّكِّ فِي الْمَوْتِ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عِتْقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَفَّارَةِ وُجُوبُهَا فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ فِي الزَّكَاةِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّكِّ.

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ ارْتِهَانُ ذِمَّتِهِ بِالْكَفَّارَةِ بِالظِّهَارِ الْمُتَحَقَّقِ وَارْتِهَانُهَا بِالزَّكَاةِ بِالْمِلْكِ الْمُتَحَقَّقِ فَلَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ بِالْحَيَاةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَلَا الزَّكَاةُ بِالْمَوْتِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ سُقُوطَ الْكَفَّارَةِ حَقٌّ لَهُ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ حَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَوْ شَكَّ فِي حَقٍّ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَ بِاسْتِحْقَاقِهِ وَلَوْ شَكَّ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَ بِسُقُوطِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا مَغْصُوبًا نَفَذَ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكًا تَامًّا.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ بالغضب مَسْلُوبُ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْإِجْزَاءِ.

وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْإِجْزَاءَ مُعْتَبَرٌ بِأَنْ يُنْظَرَ حَالُ الْعَبْدِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ غَاصِبِهِ بِالْهَرَبِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى سَيِّدِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ وَالْهَرَبِ فَالْإِجْزَاءُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْخَلَاصِ بِمَوْتِ الْغَاصِبِ أَوْ عَجْزِهِ أَجْزَأَهُ حِينَئِذٍ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُجْزِهِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إِجْزَاؤُهُ مَوْقُوفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ مَوْقُوفًا كَالْغَائِبِ إِذَا عُلِمَ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ عِتْقُ الْحَمْلِ دُونَ أُمِّهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِعِلَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشافعي:

<<  <  ج: ص:  >  >>