أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنَ الْجَامِدَاتِ فِي إِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، فَغَيْرُهُ مِنَ الْجَامِدَاتِ إِذَا سَاوَاهُ فِي عَمَلِهِ سَاوَاهُ فِي حُكْمِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَامَ مَقَامَ الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَمَا قَامَ مَقَامَ الشَّثِّ وَالْقَرَظِ فِي الدِّبَاغِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ التُّرَابَ فِي الْوُلُوغِ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْإِنْقَاءِ وَإِنَّمَا الْمَنْصُوصُ وَهُوَ الْمَاءُ فَمَا كَانَ أَبْلَغَ مِنَ التُّرَابِ فِي الْإِنْقَاءِ كَانَ أَحَقَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ غَيْرَ التُّرَابِ يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ عِنْدَ الْعَدَمِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِ مُرْتَفِعَةٌ عَنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ: هَلْ تقوم المذرورات مقام التراب؟)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ الْمَذْرُورَاتِ فِي الْوُلُوغِ بَدَلًا مِنَ التُّرَابِ.
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ سَائِرَ الْمَذْرُورَاتِ لَا تَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ فَالْمَاءُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ مَقَامَهُ.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمَذْرُورَاتِ تَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ فَاسْتَبْدَلَ مِنَ الْمَذْرُورِ فِي غَسْلِهِ ثَامِنَةً لِيَقُومَ مَقَامَ التُّرَابِ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّ الْمَاءَ يَقُومُ فِي الثَّالِثَةِ مَقَامَ التُّرَابِ الْمَذْرُورِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَبْلَغُ فِي التَّطْهِيرِ.
وَالثَّانِي: لَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِحَالٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْمَائِعِ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْجَامِدِ غَيْرُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ إِنْ كَانَ التُّرَابُ مَوْجُودًا لَمْ يَقُمِ الْمَاءُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ مَعْدُومًا قَامَ الْمَاءُ مَقَامَهُ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ، وَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مِنَ الْمَذْرُورَاتِ مَقَامَهُ.
(مَسْأَلَةٌ: غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ نجاسة ما سوى الكلب)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَغْسِلُ الْإِنَاءَ مِنَ الْنَجَاسَةِ سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثًا أَحَبُّ إِلَيَّ فَإِنْ غَسَلَهُ وَاحِدَةً تَأَتَّى عَلَيْهِ طهراً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مَا سِوَى وُلُوغِ الْكَلْبِ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَالْوَاجِبُ غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا أَثَرٍ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَزُولَ الْأَثَرُ وَقَالَ أبو حنيفة: سَائِرُ النَّجَاسَاتِ فِي حُكْمِ الْوُلُوغِ يَغْسِلُ ثَلَاثًا إِمَّا اسْتِحْبَابًا، وَإِمَّا وَاجِبًا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ أَصْحَابِهِ فِي الثَّلَاثِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُلُوغِ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سائر النجاسات كالولوغ في وجوب غسلها ثمان مراتٍ. وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِي غَسْلِهَا عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكرٍ