للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهَا: أَنْ يَبِيعَهُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَإِنْ عَدَلَ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ. فَإِنْ بَاعَهُ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ أبو حنيفة: هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. فَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَإِلَى أَجَلٍ كَانَ بَيْعُهُ نَافِذًا وَلِمُوَكِّلِهِ لَازِمًا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يَشْتَمِلُ عَلَى عُمُومِ الْبَيْعِ وَتَخْصِيصُ الْمُطْلَقِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ كَالْمُطْلَقِ مِنْ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَلَمَّا كَانَ اسْمُ الْبَيْعِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ وَعَلَى الْمُؤَجَّلِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَأْذُونٌ فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَبِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالْمُعَجَّلِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ بِجِنْسِ الْأَثْمَانِ فَصَحَّ كَالْمَبِيعِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ.

وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ بِبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِهِ جاز البيع الْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ بِهِ، قِيَاسًا عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ إِلَى أَجَلٍ بِأَنَّ الْأَجَلَ مدة ملحقة بالعقد فجاز أن يملكها قياسا الوكيل على خيار الثلاث.

وهذا خطأ كله والدليل على ما قلنا في الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ بَيْعَهُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ لَا يَجُوزُ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَ بغير نقد البلد، ولم يَصِحَّ مِنَ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِوَكَالَةٍ مُطْلَقَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى الشِّرَاءِ. وَلِأَنَّ كُلَّ جِنْسٍ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ بِهِ قِيَاسًا عن الْبَيْعِ بِغَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَبِالْمُحَرَّمَاتِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ لَمْ يجز بيعه بالدنانير. ولو كلا كل النَّقْدَيْنِ سَوَاءً، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا غَالِبًا لَزِمَ الْوَكِيلَ بَيْعُهَا بِأَحَظِّهِمَا لِلْمُوَكِّلِ فَإِنِ اسْتَوَيَا كَانَ حِينَئِذٍ مُخَيَّرًا فِي بَيْعِهِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ.

فَإِنْ بَاعَهُ بِكِلَا النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدَيْنِ صَحَّا جَمِيعًا إِذَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي بَيْعِهِ. وَإِنْ كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقْدَيْنِ " كَمَا جَازَ إِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقْدَيْنِ ".

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ غَالِبَ الْبِيَاعَاتِ تَتَنَاوَلُ جِنْسًا وَاحِدًا مِنَ الْأَثْمَانِ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ إِلَى غَالِبِهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ)

وَالدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي وَأَنَّ بَيْعَهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَا يَجُوزُ هُوَ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَنْ وَكَالَةٍ مُطْلَقَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ قِيَاسًا عَلَى الشِّرَاءِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكِ الْهِبَةَ لَمْ يَمْلِكِ الْمُحَابَاةَ فِيهِ كَالْوَصِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَلِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْهِبَةِ لِاعْتِبَارِهَا مِنَ الثُّلُثِ. فَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ مِنَ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ هِبَةُ المال أو

<<  <  ج: ص:  >  >>