وَالثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى جَمِيعِ الدَّارِ عَنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّارِ لِنَفْسِهِ.
فَإِنْ صَالِحَهُ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهَا وَكَانَ الْمُدَّعِي عَلَى مُطَالَبَتِهِ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ شُفْعَةٌ فِيمَا صَالَحَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ بِإِنْكَارِ الدَّعْوَى مُعْتَرِفُونَ بِإِبْطَالِ الصُّلْحِ وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُمُ الشُّفْعَةَ فِيمَا صَالَحَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ لَا بِالْإِرْثِ.
وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى جَمِيعِ الدَّارِ عَنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ صَحَّ الصُّلْحُ إِنْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ وَفِي حِصَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا فِيمَنْ صَالَحَ عَنْ غَيْرِهِ.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ أَيْضًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ.
وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ فِي حِصَصِ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَهَلْ يَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الْمُصَالِحِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّارِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ مَنِ ابْتَاعَ دَارًا بَعْضُهَا فِي يَدِهِ وَبَعْضُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِ ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ صَحَّ الصُّلْحُ فِي الْجَمِيعِ. وَإِلَّا بَطَلَ الصُّلْحُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ. وَهَلْ يَبْطُلُ فِيمَا بيده على قولين.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا فِي يَدَيْهِ فَاصْطَلَحَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لأحدهما سطحه والبناء على جدرانه بناء معلوم فَجَائِزٌ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) قُلْتُ أَنَا لَا يَجُوزُ أَقِيسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي إِبْطَالِهِ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ مَالًا عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي بِنَائِهِ حَقًّا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِمَسْطُورِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ ادَّعَى بَيْتًا فِي يَد رَجُلٍ فَأَقَرَّ لَهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ. ثُمَّ إِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ صالح المقر بِأَنْ وَهَبَ لَهُ عُلُوَّ الْبَيْتِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءً مَعْلُومًا فَهَذَا جَائِزٌ وَيَكُونُ صُلْحَ هِبَةٍ لَا صُلْحَ عَلَى مُعَاوَضَةٍ فَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ مَعَ بَيَانِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ ادَّعَى بَيْتًا فِي يَدي رَجُلٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِسُفْلِ الْبَيْتِ دُونَ عُلُوِّهِ. ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى السُّفْلِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ بِالْعُلُوِّ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِيَبْنِيَ عَلَى الْعُلُوِّ بِنَاءً مَعْلُومًا.