الْمَارَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَنْ لَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا - ذَكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُخَرَّجِ عَلَى كِتَابِ الْمُزَنِيِّ، وَلِأَنَّ إِحْدَاثَهَا مَعْصِيَةٌ، لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا عَلَى إِظْهَارِ الْكُفْرِ، وَلِذَلِكَ أَبْطَلْنَا الْوُقُوفَ عَلَى الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَعَلَى كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلِأَنَّهُمْ يَقْتَطِعُونَ مَا بَنَوْهُ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا، فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مُنِعُوا. فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى هَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ. وَالثَّانِي: مَا فَتَحُوهُ عَنْوَةً. وَالثَّالِثُ: مَا فَتَحُوهُ صُلْحًا. فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا ابْتَدَأَ الْمُسْلِمُونَ إِنْشَاءَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَوَاتٍ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ كَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي نُزُولِهَا عَلَى إِحْدَاثِ بَيْعَةٍ وَلَا كَنِيسَةٍ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَيَكُونُ خَارِجًا مِنْ جُمْلَةِ صُلْحِهِمْ، وَإِنْ تَمَسَّكُوا فِيهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ قِيلَ لَهُمْ: إِنْ رَضِيتُمْ بِإِبْطَالِ هَذَا مِنْهُ، وَإِلَّا نَقَضْنَا عَهْدَكُمْ، وَبَلَّغْنَاكُمْ مَآمِنَكُمْ، وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُهُمْ بِنَقْضِنَا بِعَهْدِهِمْ لِأَنَّنَا نَحْنُ نَقَضْنَاهُ بِمَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ نَرَى فِي هَذِهِ الْأَمْصَارِ بِيَعًا وَكَنَائِسَ كَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ، وَهُوَ مِصْرٌ إِسْلَامِيٌّ بَنَاهُ الْمَنْصُورُ.
قُلْنَا: إِنْ عَلِمْنَا أَنَّهَا أُحْدِثَتْ وَجَبَ هَدْمُهَا، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهَا كَانَتْ قَدِيمَةً فِي الْمِصْرِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ لِأَنَّ النَّصَارَى قَدْ كَانُوا يَبْنُونَ صَوَامِعَ، وَدِيَارَاتٍ، وَبِيَعًا فِي الصَّحَارِي يَنْقَطِعُونَ إِلَيْهَا، فَتُقَرُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا تُهْدَمُ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهَا، أُقِرَّتِ اسْتِصْحَابًا، لِظَاهِرِ حَالِهَا.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى اسْتِئْنَافِ بِيَعٍ وَكَنَائِسَ فِيهَا، فَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، فَمَا كَانَ مِنْهَا خَرَابًا عِنْدَ فَتْحِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَمِّرُوهُ، لِدُرُوسِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ، فَصَارَتْ كَالْمَوَاتِ.
فَأَمَّا الْعَامِرُ مِنَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ عِنْدَ فَتْحِهَا، فَفِي جَوَازِ إِقْرَارِهَا عَلَيْهِمْ إِذَا صُولِحُوا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إِقْرَارُهَا عَلَيْهِمْ لِخُرُوجِهَا عَنْ أَمْلَاكِهِمُ الْمَغْنُومَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute