فَجَوَّزْنَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْكِتَابَةُ يَدْخُلُ بِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِ، فَمَنَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَفِي صِحَّةِ كِتَابَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ عَلَى مَسَائِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهَا دُخُولُ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ، وَإِذْنُهُ رِضًا بِالضَّرَرِ فَزَالَ الْمَنْعُ وَصَحَّتِ الْكِتَابَةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، أَنَّ الْكِتَابَةَ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهَا الشَّرِيكُ لِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ موضع الْكِتَابَةِ أَنْ يَكْمُلَ بِهَا تَصَرُّفُ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَكْمُلُ تَصَرُّفُهُ بِكِتَابَةِ بَعْضِهِ، لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ لِكِتَابَتِهِ مَنَعَهُ الشَّرِيكُ مِنَ السَّفَرِ، لِرِقِّهِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِكِتَابَةِ بَعْضِهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمَالِ الصدقات، لأن الشريك إن يَأْخُذْ مِنْهُ بِقَدْرِ سَهْمِهِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَمُنِعَ مِنْهَا حَتَّى تَكْمُلَ كِتَابَةُ جَمِيعِهِ.
وَالثَّالِثُ: لِأَنَّهُ إِذَا كُوتِبَ فِي نِصْفِهِ عَلَى أَلْفٍ، لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا بِأَدَاءِ أَلْفَيْنِ، لِيَأْخُذَ الشَّرِيكُ مِنْهَا أَلْفًا وَالْمُكَاتَبُ أَلْفًا، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا لَمْ تَصِحَّ بِهِ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ لَفْظًا.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا عَتَقَ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ سَرَى الْعِتْقُ إِلَى بَاقِيهِ، فَعَتَقَ بِالْكِتَابَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا، فَفَسَدَتْ كَمَا لَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَنَّكَ إِذَا أَدَّيْتَ مَالَ كِتَابَتِكَ فَأَنْتَ وَأَخُوكَ حُرَّانِ، كَانَتْ كِتَابَتُهُ فَاسِدَةً، لِتَعَدِّي الْعِتْقِ فِيهَا إِلَى مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي عَقْدِهَا، كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ مِنْهَا إنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ، فَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، لِيَأْخُذَ الشَّرِيكُ مِنْهُ بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَيَأْخُذَ الْمُكَاتَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ كِتَابَتِهِ لِيُؤَدِّيَهُ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُهَايِئْهُ الشَّرِيكُ قَاسَمَهُ عَلَى كُلِّ كَسْبِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَإِنْ هَايَأَهُ لِيَكْتَسِبَ لِنَفْسِهِ يَوْمًا وَلِلشَّرِيكِ يَوْمًا، جَازَ وَفِي وُجُوبِهَا إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ كَمَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ إِذَا دَعَا إِلَيْهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَأَصْلُهُ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ نِسَائِهِ، فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةً، وَهِيَ مُهَايَأَةٌ قَدْ أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ فِي الصَّدَقَاتِ فِي أَيَّامِ نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ سَيِّدِهِ.