صوم الظهار، فإن صام أول شهر شَوَّالٍ حَتَّى دَخَلَ فِي صَوْمِهِ يَوْمُ الْفِطْرِ لم يعقد بِهِ وَحْدَهُ وَبَنَى عَلَى مَا بَعْدَهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا فِي صَوْمِ ظِهَارِهِ فَإِنْ قِيلَ بِمَذْهَبِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ يَجُوزُ صومها فيما له سبب لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِيمَا لَهُ سَبَبٌ وَمَا لَا سَبَبَ لَهُ مَنَعْتَ ابْتِدَاءَ الصِّيَامِ وَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَى مَا بَعْدَهَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ صَوْمَ شهرين متتابعين والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِذَا صَامَ بِالْأَهِلَّةِ صَامَ هِلَالَيْنِ وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَلَيْسَ يَخْلُو حَالُهُ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ أَوْ فِي تَضَاعِيفِهِ، فَإِنْ بَدَأَ بِهِ فِي أَوَّلِهِ وَاسْتَهَلَّ الشَّهْرَ بِصَوْمِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ هِلَالَيْنِ لِأَنَّ شُهُورَ الشَّرْعِ هِيَ الشُّهُورُ الْهِلَالِيَّةُ لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] وَشُهُورُ الْأَهِلَّةِ قَدْ تَكْمُلُ تَارَةً فَتَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَنْقُصُ أُخْرَى فَتَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَحُكْمُ الشَّهْرِ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ زِيَادَتِهِ وَنَقْصِهِ، رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ (الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ) يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: (وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ وَثَنَى إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَأَنَّهَا عَقْدُ خَمْسِينَ يَعْنِي تسعة وعشرين) وقالت عائشة - رضي الله عنه - (صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ) فَإِنْ كَانَ شَهْرَا صَوْمِهِ كَامِلَيْنِ صَامَ سِتِّينَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ صَامَ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَامِلًا وَالْآخَرُ نَاقِصًا صَامَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا.
(فَصْلٌ:)
وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي تَضَاعِيفِ الشَّهْرِ كَأَنَّهُ بَدَأَ بِالصَّوْمِ وَقَدْ مَضَى مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَكَانَ أَوَّلُ صَوْمِهِ الْحَادِي عَشَرَ فَيَصُومُ بَاقِيَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ كَامِلًا وَكَانَ بَاقِيهِ عِشْرِينَ يَوْمًا صَامَ الشَّهْرَ الَّذِي بَعْدَهُ مَا بَيْنَ هِلَالَيْنِ كَامِلًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا ثُمَّ صَامَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ يَسْتَكْمِلُ بِهَا الشَّهْرَ الْأَوَّلَ وَقَدْ أَكْمَلَ بِهَا صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ نَاقِصًا وَكَانَ بَاقِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا صَامَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا يَسْتَكْمِلُ بِهَا الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِكَمَالِهِ دُونَ نُقْصَانِهِ. .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ هِيَ عِدَّةُ مَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ صَوْمِهِ لِأَنَّ الشَّهْرَ النَّاقِصَ لَا يَلْزَمُ تَكْمِيلُهُ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ بِالصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الشَّهْرَ إِذَا فَاتَ هِلَالُهُ وَجَبَ عَدَدُهُ وَإِذَا عُدَّ وَجَبَ أَنْ يُسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute