وَالَّتِي يَحُثُّ بِهَا عَلَى فِعْلٍ، أَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَالَّتِي قصد بها التصديف عَلَى فِعْلٍ، أَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا كُلُّهُ حَلِفٌ بِالطَّلَاقِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، حَنِثَ وَطُلِّقَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تُطَلَّقْ، بِدُخُولِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، طُلِّقَتْ ثَانِيَةً بِدُخُولِهَا، فَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مِمَّنْ يُطِيعُهُ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ فَهِيَ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ سُلْطَانًا أَوْ ذَا قُدْرَةٍ لَا بطبعه وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُولِ بِقَوْلِهِ، فَهُوَ طَلَاقٌ بِصِفَةٍ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ، هَذَا مَذْهَبُنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ هَذَا يَمِينٌ كَالطَّلَاقِ، إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا حِضْتِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا طَهُرْتِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا شِئْتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ إِذَا حِضْتِ أَوْ طَهُرْتِ، أَنْ يُوقِعَهُ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ إِنْ شِئْتِ التَّمْلِيكُ الَّذِي يُرَاعَى فِيهِ الرَّدُّ وَالْقَبُولُ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَا قُصِدَ بِهَا الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ، أَوِ الْحَثُّ عَلَى شَيْءٍ، أَوِ التَّصْدِيقُ عَلَى شَيْءٍ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ كَقَوْلِهِ: إِذَا حِضْتِ أَوْ طَهُرْتِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يُعِيدُهُ ثَانِيَةً، فَيَقُولُ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَتُطَلَّقُ مِنْهُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ حَالِفًا بِطَلَاقِهَا، فَلَوْ أَعَادَهُ ثَالِثَةً، فَقَالَ؛ إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طُلِّقَتْ ثَالِثَةً بِالْيَمِينِ الثَّالِثَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَيْنَ قَوْلِهِ، كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا فِي وُجُودِ التَّكْرَارِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِتَكْرَارِ الْأَيْمَانِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَلَا تُطَلَّقَ إِلَّا الْأُولَى وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِهَا.
فَرْعٌ: وَإِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا، فَقَالَ لَهُمَا: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثُمَّ أَعَادَهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، حَنِثَ وَطُلِّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةً، إِلَّا أَنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَائِنٌ، وَطَلَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا رَجْعِيٌّ.
فَإِنْ أَعَادَ ذَلِكَ ثَالِثَةً، فَقَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَلِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، بِأَنْ يَكُونَ حَالِفًا بِطَلَاقِهَا، وَهُوَ غَيْرُ حَالِفٍ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا لَا يَكُونُ حَالِفًا بِطَلَاقِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute