وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَقْبِلُ لِلْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُسْتَقْبِلِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ المحاذي الحجر بِبَعْضِ بَدَنِهِ، فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُحَاذِي، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحَاذِيَهُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَمْسُهُ مَعَ أَوَّلِ الْحَجَرِ، ثم يجوره طَائِفًا، وَلَيْسَ اسْتِقْبَالُهُ شَرْطًا، وَإِنَّمَا مُحَاذَاتُهُ شَرْطٌ.
فَصْلٌ
: وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَلِمَهُ بِيَدِهِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَلَمَهُ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَيُبْعَثَنَّ هَذَا الرُّكْنُ وَلَهُ لسانٌ، وَعَيْنَانِ تَنْظُرَانِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بحقٍ " وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ ". وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ مَسَحَهُ، فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ ". وَأَمَّا اسْتِلَامُ الْحَجَرِ، فَهُوَ افْتِعَالٌ فِي التَّقْدِيرِ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ، وَأَحَدُهَا سَالِمَةٌ تَقُولُ: اسْتَلَمْتُ الْحَجَرَ إِذَا لَمَسْتُهُ مِنَ السَّلَامِ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
(تَدَاعَيْنَ بِاسْمِ الشَّيْبِ فِي مُتَثَلِّمٍ ... جَوَانِبُهُ مِنْ بصرةٍ وَسَلَامِ)
فَالسَّلَامُ الْحِجَارَةُ السُّودُ، وَالْبَصْرَةُ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْبَصْرَةُ لِمَا فِي أَرْضِهَا مِنْ عدوق الحجارة البيض.
[فصل]
: الثالث: أَنْ يُقَبِّلَهُ بِفِيهِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَهُ وَقَالَ: يَسْتَلِمُهُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَافَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ على بعير، فاستلم الركن بمحجنه وقبل طَرَفَ مِحْجَنِهِ وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ فِي وَضْعِ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ يَبْكِي، فَقَالَ: هَا هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ. وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَ الْحَجَرِ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ". فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَمَا إِنَّهُ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ، أَوْدَعَهُ فِي رِقٍّ وَفِي هَذَا الْحَجَرِ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِمَنْ وَافَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْيَانِي اللَّهُ لِمُعْضِلَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ حياً ". قال الشافعي: ويقبل الحجر بلا تصويت وَلَا تَطْنِينٍ هَكَذَا السُّنَّةُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute