كَانَتْ عِنْدَ عَقْدِ الطَّلَاقِ حَامِلًا فَإِنْ كَانَ وَطَئَهَا قَبْلَ الْحَمْلِ، اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَضَعَهُ مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ، فَلِلزَّوْجِ حَالَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَيُحْكَمُ لِحَمْلِهَا بِالتَّقَدُّمِ، وَوُجُودِهِ عِنْدَ عَقْدِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئَهَا، فَيُنْظَرُ فِي وَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَهُوَ حَمْلٌ مُتَقَدِّمٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ جَمِيعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أِنَّهَا تُطَلَّقُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ حُدُوثِهِ لَا بِنَاءً عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ، وَفِي شَكٍّ فِي تَقَدُّمِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ لِجَوَازِ تَقَدُّمِهِ، وَتَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَقِينِ فِي بَقَاءِ نِكَاحِهِ وَإِسْقَاطًا لِلشَّكِّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ:)
فَأَمَّا إِذَا عَكَسَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فَقَالَ: إِنْ كُنْتِ حَائِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَتُطَلَّقَ، وَفِي هَذَا الْمَنْعِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أِنَّهُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ كَالْمَنْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتِ حَائِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أِنَّهُ كَرَاهَةٌ لَا تَحْرِيمٌ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي (الْإِمْلَاءِ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِوُجُودِ الْحَمْلِ فَيَكُونَ الْمَنْعُ لِكَرَاهَةٍ لَا لِتَحْرِيمٍ وَبَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِعَدَمِ الْحَمْلِ فَيَكُونَ الْمَنْعُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لا حمل فحرم وطئها، إِذَا عَلَّقَهُ بِعَدَمِهِ، وَلَمْ يَحْرُمْ إِذَا عَلَّقَهُ بِوُجُودِهِ. وَإِذَا لَزِمَ اسْتِبْرَاؤُهَا لِوَطْئِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ عقد طلاقها، أو لم يستبرأها، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَبْرَأَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ، وَفِي قَدْرِ مَا يَسْتَبْرِئُ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ هِيَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْحُرَّةِ لَا يَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْهَا كَالْعِدَّةِ.
والوجه الثاني: أن يَسْتَبْرِئُهَا بِقُرْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَلَيْسَ بِاسْتِبْرَاءٍ مِنْ فُرْقَةٍ، فَجَرَى مَجْرَى اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ وَالْمَسْبِيَّةِ وَخَالَفَ الِاسْتِبْرَاءَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءُ الْفُرْقَةِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ الْقُرْءُ طُهْرًا أَوْ حَيْضًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ:
أَحَدُهُمَا: أنه الطهر.