فهو لك فقال الرجل: أما إذا بَلَغَتْ مَا أَرَى فَلَا أَرَبَ لِي بِهَا، فَلَوْ جَازَ التَّفْضِيلُ لَفَضَّلَ بِهَذَا الْقَدْرِ الْيَسِيرِ وَلِأَنَّ مَا اشْتَرَكُوا فِي سَبَبِ تَمَلُّكِهِ أَوْجَبَ تَسَاوِيَهُمْ فِي مِلْكِهِ كَالِاشْتِرَاكِ فِي صَيْدٍ وَاحْتِشَاشٍ، فَأَمَّا تَفْضِيلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ النَّاسِ فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ، فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَأَلَّفَ عَدَدًا مِنْهُمْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِائَةِ بَعِيرٍ مِنْهُمْ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَاسْتَعْتَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ مرداس فقال:
(أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ)
(وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع)
(وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَضَعِ البوم لَا يُرْفَعِ)
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اقْطَعُوا لِسَانَهُ عَنِّي ".
وَأَمَرَ لَهُ بِخَمْسِينَ بَعِيرًا، وكان مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ إِمَّا مِنْ سَهْمِهِ مِنَ الْخُمُسِ، وَإِمَّا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَبَتَ بِحُنَيْنٍ مَعَ ثَمَانِيَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَانْهَزَمَ جَمِيعُ النَّاسِ؛ فَصَارَتْ جَمِيعُ الْغَنَائِمِ لَهُ فَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَتَأَلَّفَ بِهَا مَنْ شَاءَ، وَلِذَلِكَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ رَأَوْهُ قَدْ تَأَلَّفَ قُرَيْشًا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ عَزَمَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّكُمْ لَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ وَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَنْصَرِفُونَ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: رَضِينَا فَكَانَ مَا فَعَلَهُ مِنَ التَّفْضِيلِ بِحُنَيْنٍ مَحْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا غَنَائِمُ بَدْرٍ فَكَانَتْ خَالِصَةً لَهُ فَوَضَعَهَا فِيمَنْ شَاءَ من حاضر وغائب على تساوي وتفضيل.
[فصل:]
وأما ما لا ينقل مِنَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَحُكْمُهُ عِنْدَنَا حُكْمُ الْأَمْوَالِ المنقولة، يَكُونُ خُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ، وَتُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: الْإِمَامُ فِي الْأَرَضِينَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمَهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، أَوْ يُقَسِّمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُقِرَّهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا الْمُشْرِكِينَ بِخَرَاجٍ يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا، وَجِزْيَةٍ عَلَى رِقَابِ أَهْلِهَا، تَصِيرُ خَرَاجًا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ لَا تَسْقُطُ عَنْ رِقَابِهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ صَارَتْ بِالْغَلَبَةِ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا فَتَحَ أَرْضَ السَّوَادِ، أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَشَاوَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ دَعْهَا تَكُونُ عُدَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَرَكَهَا وَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ مِصْرُ، وَكَانَ الْأَمِيرُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ اقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَقَالَ: لَا حَتَّى أَكْتُبَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فَأَجَابَهُ عُمَرُ دَعْهَا حَتَّى يَغْدُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute