للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِمَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَرَاجِهَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا فِيهَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ كَالرِّقَابِ.

وَأَمَّا مالك فاستدل بقوله تعالى: {وللذين جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْهُمْ لِأَجْلِ مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ فُتُوحِ بِلَادِهِمُ الَّتِي اسْتَبْقَوْهَا وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَتَحَ مَكَّةَ عَنْوَةً فَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَقَسَّمَ غَنَائِمَ هَوَازِنَ وَلَمْ يُقَسِّمْ أَرْضَهُمْ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ وَقْفًا لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَسَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ مَنْ سَلَفَ من الأنبياء تنزل نارا مِنَ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا فَأَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُمْ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِأُمَّتِهِ وَالنَّارُ إِنَّمَا تَخْتَصُّ بِأَكْلِ الْمَنْقُولِ دُونَ الْأَرَضِينَ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَنْفُولِ بِالْغَنِيمَةِ الْمُسْتَبَاحَةِ دُونَ الْأَرَضِينَ.

وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] وَرَوَى مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَسَّمَ خَيْبَرَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَانِمِينَ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، مِنْهُمْ مِائَتَا فَارِسٍ أَعْطَى كُلَّ فَارِسٍ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، فَكَانَ لَهُمْ سِتُّمِائَةِ سَهْمٍ وَلِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ؛ صَارَتْ جَمِيعُ السِّهَامِ ألفا وثمان مائه سهم فقسمها على ثمانية عشرة مِنْهُمْ، وَأَعْطَى كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا، وَلِذَلِكَ رُوِيَ أن عمر رضي الله عنه ملك مائة سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ ابْتَاعَهَا، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ مَا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مِثْلَهُ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَبِّسِ الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ؛ فَدَلَّتْ قِسْمَتُهَا وَابْتِيَاعُ عُمَرَ لَهَا لِمِائَةِ سَهْمٍ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا طِلْقٌ مَمْلُوكٌ وَمَالٌ مَقْسُومٌ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ظَهَرَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَسَّمَ عَقَارَهُمْ مِنَ الْأَرَضِينَ وَالنَّخِيلِ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: عصبة اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَخُمُسُهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي إِنَّمَا قُرْبَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَغْنُومٌ فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ كَالْمَنْفُولِ، وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ بِهِ قِسْمَةُ الْمَنْفُولِ اسْتُحِقَّ بِهِ قِسْمَةُ غَيْرِ الْمَنْفُولِ كَالْمِيرَاثِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ أبي حنيفة أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَاوَرَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَسْمِ السَّوَادِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ، فَهُوَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ أَرْضَ السَّوَادِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَأَشْغَلُوهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَشَاغَلُوا بِهِ عَنِ الْجِهَادِ؛ فَاسْتَنْزَلَهُمْ عَنْهُ فَنَزَلُوا؛ وَتَرَكَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَأَكْثَرَ قَوْمِهِ وَكَانَتْ نَخِيلُهُ رُبُعَ النَّاسِ، فَأَبَتْ طَائِفَةٌ منهم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>