يَنْزِلُوا فَعَاوَضَهُمْ عَنْهُ وَجَاءَتْهُ أُمُّ كُرْزٍ، فَقَالَتْ: إني أَبِي شَهِدَ الْقَادِسِيَّةِ، وَإِنَّهُ مَاتَ وَلَا أَنْزِلُ عن حقي إلا أن تركبني ناقة زلولا، عليها قطيفة حمراء، وتملاء كَفِّي ذَهَبًا، فَفَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ عَنْ حَقِّهَا، وَكَانَ قَدْرُ مَا مُلِئَ بِهِ كَفُّهَا ذَهَبًا نيفا وثمانين مثقالا، فولا أَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ أَمْلَاكَ الْغَانِمِينَ عَلَيْهَا مُسْتَقِرَّةٌ، لَمَا اسْتَنْزَلَهُمْ عَنْهَا بِطِيبِ نَفْسٍ وَمُعَاوَضَةٍ، فَلَمَّا صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ شَاوَرَ عَلِيًّا فِيهَا فَقَالَ: دَعْهَا تَكُونُ عُدَّةً لَهُمْ، فَوَقَفَهَا عَلَيْهِمْ، وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أُجْرَةٌ وَعِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ ثَمَنٌ، وَأَمَّا أرض مصر فبعض فتوحها عنوة وبعضها صلح، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ نِزَاعُ عَمْرٍو وَالزُّبَيْرِ فِي أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَنِ الرِّقَابِ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْمَنْفُولِ، فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى مُضَاعَفَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَاشِيهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ خَرَاجًا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ قَسْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ كَذَلِكَ الْأَرَضُونَ؛ ثُمَّ لَو سَلِمَ مِنْ هَذَا النَّقْصُ لَكَانَ الْمَعْنَى فِي الرِّقَابِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي وَقْتِ خِيَارِ الْإِمَامِ فِيهَا مَالًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ بِالِاسْتِرْقَاقِ مَالًا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ خِيَارٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وللذين جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] فَهُوَ أَنَّ هَذَا مِنْهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِتَمْهِيدِ الْأَرْضِ لَهُمْ، وَإِزَالَةِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمْ، وَنُصْرَةِ الدِّينِ بِجِهَادِهِمْ ثُمَّ بِمَا صَارَ إِلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الْفَيْءِ وَمَوَارِيثِ الْعَنْوَةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ فَتْحِ مَكَّةَ فَهُوَ أنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عِنْدَنَا صُلْحًا، فَالْكَلَامُ فِي فَتْحِهَا يَأْتِي، وَأَمَّا أَرْضُ هَوَازِنَ فَلَمْ تُغْنَمْ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا، وَإِنَّمَا قُوتِلُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا إِلَى حُنَينٍ، وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ فِي أَوْطَاسٍ فَلَمَّا أَظْفَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ، وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَسُبِيَتْ ذَرَارِيهِمْ، آتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُدْلُونَ إِلَيْهِ بِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ حَلِيمَةَ مُرْضِعَةَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَتْ مِنْ هَوَازِنَ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا مَلَّحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ وَنَزَلْنَا مَعَهُ مَنْزِلَنَا مِنْكَ لَوَعَى ذَاكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْكَفِيلَيْنِ.
وَقَوْلُهُمْ مَلَّحْنَا: أَيْ رَضَّعْنَا وَأَنْشَدَ شَاعِرُهُمْ:
(امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ)
(امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ تَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ)
فَقَالَ: اخْتَارُوا أَمْوَالَكُمْ، أَوْ ذَرَارِيَكُمْ فَقَالُوا: خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا عَلَى أَمْوَالِنَا، فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي هَاشِمٍ فَلِلَّهِ وَلَكُمْ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: وَأَمَّا مَا لَنَا فلله ولرسوله ولكم فانكفوا إِلَى دِيَارِهِمُ الَّتِي لَا تُمَلَّكُ عَلَيْهِمْ آمِنِينَ، وَقَدْ أَسْلَمُوا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَكْلِ النَّارِ الْمَنْفُولِ دُونَ الْأَرَضِينَ فَكَانَ هُوَ الْمَغْنُومُ، فهو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute