للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْمَالِكِ بِلَا دَرٍّ وَلَا نَسْلٍ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقَوْلَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ بَدَرِّهَا وَنَسْلِهَا فَعِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَدِيمِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ فَقْدُ النماء فاقتضى أن يكون وجود النماء موجب لها، وعند أبي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا، لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَدِيمِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ وَهَاءُ الْمِلْكِ، وَنُقْصَانُ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ وَإِنْ كَانَ النَّمَاءُ مَرْدُودًا وَهَذَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً عِنْدَ الْمَالِكِ سَائِمَةً عِنْدَ الْغَاصِبِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، لِأَنَّ السَّوْمَ إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ إِذَا كَانَ مَقْصُودًا، فَأَمَّا مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الْمَالِكُ فَلَا حُكْمَ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَاشِيَةَ لَوْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَرَعَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَوْمًا يُوجِبُ الزَّكَاةَ، كَذَلِكَ سَوْمُ الْغَاصِبِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَكُونُ سَوْمُ الْغَاصِبِ كَسَوْمِ الْمَالِكِ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، قَالَ: لِأَنَّ مَنْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا كَانَ عَلَى الْمَالِكِ زَكَاتُهَا كَذَلِكَ، إِذَا غَصَبَ مَاشِيَةً فَسَامَهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ على الملاك زَكَاتُهَا، وَهَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوْمِ وَالزِّرَاعَةِ أَنَّ السَّوْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَصْدٍ، لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ لَوْ رَعَتْ بِنَفْسِهَا لم يكن له عليها حُكْمٌ، وَالزِّرَاعَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى قَصْدٍ، أَلَا ترى أنه لو نقل طعاماً ليحرزه فانتثر بَعْضُهُ وَنَبَتَ وَبَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَبًّا لَزِمَتْهُ زكاته، وإن لم يقصد زراعته.

[فصل]

: فلو كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ مَعْلُوفَةً عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ حُكْمُ سَوْمِهَا ثَابِتٌ وَإِنْ عَلَفَهَا الْغَاصِبُ، فَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَالَ كَمَنْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا لزكاتها عن الملاك، ولو كان المالك صَاغَهَا سَقَطَ عَنْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ زَكَاتُهَا، كَذَلِكَ إِذَا غَصَبَ سَائِمَةً فَعَلَفَهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنِ الْمَالِكِ زَكَاتُهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ صياغة المالك كصياغة الغاصب فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ عَلْفُهُ لَا يَكُونُ كَ " عَلْفِ الْمَالِكِ " فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ عَلْفَ الْغَاصِبِ كَ " عَلْفِ الْمَالِكِ " لِأَنَّهُ طَائِعٌ فِيهِ وإنما هو عاص لغصبه وَصِيَاغَةُ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ صِيَاغَةِ الْمَالِكِ، لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي الصِّيَاغَةِ كَمَعْصِيَتِهِ فِي الْغَصْبِ، وَصِيَاغَةُ الْحُلِيِّ المحظور غير مسقط لِلزَّكَاةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ صِيَاغَةُ الْغَاصِبِ كَصِيَاغَةِ الْمَالِكِ، وَكَانَ عَلْفُ الْغَاصِبِ كَعَلْفِ الْمَالِكِ.

فَصْلٌ

: فأما إذا غصب المالك عن طلبه كَأَنْ أُسِرَ وَحُمِلَ إِلَى دَارِ الرُّومِ، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ حَوْلٍ أَوْ أَحْوَالٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أن عَلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا لَوْ غُصِبَ عَنْهُ مَالُهُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>