(بسم الله الرحمن الرحيم)
(صلى الله على سيدنا محمد وآله)
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ أَخْرِجْ يَمِينَكَ فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا وَقَالَ عَمَدْتُ وَأَنَا عَالِمٌ فَلَا عَقْلَ وَلَا قِصَاصَ فَإِذَا بَرأ اقْتُصَّ مِنْ يَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ أَوْ رَأَيْتُ أَنَّ الْقِصَاصَ بِهَا يَسْقُطُ عَنْ يَمِينِي لَزِمَ الْمُقْتَصَّ دِيَةُ الْيَدِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فِي يُمْنَاهُ فَأَخْرَجَ يُسْرَاهُ فَقَطَعَهَا الْمُقْتَصُّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيُسْرَى قِصَاصًا بِالْيُمْنَى لِاسْتِحْقَاقِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، كَمَا لَا تَكُونُ الْيَدُ قِصَاصًا بِالرَّجُلِ وَإِنْ وَقَعَ بِهِ التَّرَاضِي، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بُدِئَ بِسُؤَالٍ فَخَرَجَ يَدَهُ قَبْلَ سُؤَالِ الْمُقْتَصِّ الْقَاطِعَ هَلْ أَخْرَجَ يَدَهُ بَاذِلًا لِقَطْعِهَا أَوْ غَيْرَ بَاذِلٍ؟ فَإِنْ قَالَ: أَخْرَجْتُهَا غَيْرَ بَاذِلٍ لِقَطْعِهَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ بِإِخْرَاجِهَا التَّصَرُّفَ بِهَا سئلَ حِينَئِذٍ الْمُقْتَصُّ الْقَاطِعَ هَلْ عَلِمَ أَنَّهَا الْيُسْرَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا الْيُسْرَى وَظَنَنْتُهَا الْيُمْنَى فَقَطَعْتُهَا قِصَاصًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى هَذَا الْمُقْتَصِّ فِي الْيُسْرَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا فِي الْيُمْنَى، لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ، وَعَلَيْهِ دِيَتُهَا، لِأَنَّهُ قَطَعَهَا خَطَأً بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّهُ مِنْ قَطْعِ الْيُمْنَى أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الاقْتِصَاصِ مِنْهَا لِاعْتِقَادِهِ اسْتِيفَاءَ قِصَاصِهِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمُقْتَصُّ عَلَى مُخْرِجِ يَدِهِ الْيُمْنَى حَالَّةً فِي مَالِهِ، لِأَنَّهَا دِيَةُ عَمْدٍ، وَيَرْجِعُ مُخْرِجُ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ، لِأَنَّهَا دِيَةُ خَطَأٍ، وَلَا يَكُونَا قِصَاصًا لِاخْتِلَافِ مَحَلِّهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَقَّهُ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنَ اليُمْنَى بَاقٍ لِبَقَائِهَا، وَأَنَّ الْخَطَأَ بِغَيْرِهَا لَا يُزِيلُ الْحَقَّ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُقْتَصِّ أَنْ يَقْطَعَ يَمِينَ الْجَانِي الْمُخْرِجِ لِيُسْرَاهُ إِذَا انْدَمَلَتِ الْيُسْرَى، لأن لا يُوَالِيَ عَلَيْهِ بَيْنَ قَطْعَيْنِ فَيَسْرِيَ قَطْعُهُمَا إِلَى تَلَفِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ قَطْعُ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْهُمَا بَيْنَ قَطْعِهِمَا وَلَا يَنْتَظِرُ انْدِمَالَ أُولَاهُمَا، لِأَنَّ قَطْعَهُمَا مُسْتَحَقٌّ فَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ الِانْدِمَالُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْأُولَى غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَانْتُظِرَ انْدِمَالُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بَعْدَهُ، فَإِذَا اقْتُصَّ مِنَ اليُمْنَى كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ يُسْرَى الْجَانِي.
وَإِنْ قَالَ الْمُقْتَصُّ الْقَاطِعُ لِلْيُسْرَى عَلِمْتُ حِينَ قَطَعْتُهَا أَنَّهَا الْيُسْرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute