وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ أَصْلٌ فِي نَفْسِهَا، وَالْقَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِيهَا، فَإِذَا اسْتَقَرَّ الْقَوْلَانِ فِيهَا، إِمَّا بِنَاءً وَإِمَّا أَصْلًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إِنْ كَانَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَاقِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفُوا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنِ انْقَرَضُوا فَإِحْلَافُ الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِعَكْسِ الْأَوَّلِ: إِنِ انْقَرَضَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ كَانَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفُوا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانُوا بَاقِينَ، فَإِحْلَافُ الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْبُطُونِ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الثَّانِي مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ بَعْضُهُمْ، وَيَنْكُلَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ: أَنْ يَحْلِفَ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْإِخْوَةِ وَاحِدٌ، وَيَنْكُلُ اثْنَانِ، فَيَكُونَ ثُلُثُهَا وَقْفًا عَلَى الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ، وَثُلُثَاهَا مِلْكًا مَوْرُوثًا بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَرِثُ الْحَالِفُ مِنْهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنَ الدَّارِ وَقْفٌ عَلَى أَخَوَيْهِ، وَيَصِيرُ مَا وَرِثَهُ الْأَخَوَانِ مِنْهَا وَقْفًا عَلَيْهِمَا بِإِقْرَارِهِمَا وَسِهَامُ بَاقِي الْوَرَثَةِ مِلْكًا لَهُمْ طَلْقًا.
فَإِنْ أَرَادَ الْبَطْنُ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفُوا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْبِنَاءِ وَالْمَحَلِّ، فَإِنْ مَاتَ الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ انْتَقَلَتْ حُقُوقُهُمْ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَكَانَ نَصِيبُ مَنْ وَرِثَ وَلَمْ يَحْلِفْ مُنْتَقِلًا إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي بِغَيْرِ يَمِينٍ، لِأَنَّهُ صَارَ وَقَفًا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَكَانَ نَصِيبُ مَنْ حَلَفَ مُنْتَقِلًا إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي يَمِينِ الْبَطْنِ الثَّانِي بَعْدَ يَمِينِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ وَرَثَةُ الْحَالِفِ وَغَيْرِ الْحَالِفِ مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِي.
وَلَوْ مَاتَ مِنَ الْإِخْوَةِ اللَّذَانِ لَمْ يَحْلِفَا انْتَقَلَ نَصِيبُهُمْ إِلَى الْأَخِ الْحَالِفِ بِغَيْرِ يَمِينٍ.
وَلَوْ مَاتَ الْأَخُ الْحَالِفُ وَبَقِيَ أَخَوَاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أَيْمَانَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْأَيْمَانَ عَنِ الْبَطْنِ الثَّانِي انْتَقَلَ نَصِيبُ الْحَالِفِ إِلَى أَخَوَيْهِ النَّاكِلَيْنِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي لِاسْتِحْقَاقِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبُطُونِ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أَيْمَانَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَا تُسْقِطُ الْأَيْمَانَ عَنِ الْبَطْنِ الثَّانِي لَمْ يَنْتَقِلْ نَصِيبُ الْحَالِفِ إِلَى أَخَوَيْهِ، لِنُكُولِهِمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَفِي انْتِقَالِهِ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي إِنْ حلفوا وجهان:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute