للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَايَاهُ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دُيُونٌ وَلَا وَصَايَا كَانَتْ مِيرَاثًا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ يَمْلِكُ هُوَ لَا الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ مِيرَاثَهُمْ مِنْهَا، وَتَصِيرُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِمْ لِأَنَّ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ وَقْفِهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّهِمْ وَغَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ.

فَإِذَا انْقَرَضَ الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ انْتَقَلَ الْوَقْفُ إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي بِغَيْرِ يَمِينٍ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ وَقْفًا عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَصَارَ الْبَطْنُ الثَّانِي بِمَثَابَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْبُطُونِ، وَكَانَ بَقِيَّةُ الدَّارِ مِلْكًا مُطْلَقًا لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ مَاتَ الْبَاقُونَ مِنَ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِمْ مِنْهَا، وَعَادَ مِيرَاثُهُمْ إِلَى الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ صَارَ جَمِيعُ الدَّارِ وَقْفًا بإقرارهم، لأنهم ملكوا جميعا، وَإِنْ وَرِثَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَعَادَ الْإِخْوَةُ، فَادَّعَوْا وَقْفَ بَقِيَّتِهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ انْبِرَامِ الْحُكْمِ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ، فَإِنِ ادَّعَوْا عَلَيْهِمْ بِوَقْفِهَا صَحَّتِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَوِ اعْتَرَفُوا بِوَقْفِهَا صَارَ حَقُّهُمْ وَقْفًا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعُوا عَلَيْهِمْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ انْبِرَامَ الْحُكْمِ مَعَ تَقَدُّمِهِمْ قَدْ أَسْقَطَ دَعْوَاهُمْ.

فَلَوْ بَذَلَ الْبَطْنُ الثَّانِي الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ عِنْدَ نُكُولِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَنْهَا، فَفِي إِحْلَافِهِمْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُونَ، لِأَنَّهُمْ فَرْعٌ لِأَصْلٍ صَارُوا لَهُ تَبَعًا، فَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْأَصْلِ الْمَتْبُوعِ بَطَلَ حُكْمُ الْفَرْعِ التَّابِعِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْوَقْفَ يَصِيرُ إِلَيْهِمْ عَنِ الْوَاقِفِ لَا عَنِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، فَصَارُوا فِي إِفْضَائِهِ إِلَيْهِمْ فِي حُكْمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ الْبَطْنُ الثَّانِي مِنَ الْأَيْمَانِ، لِامْتِنَاعِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا لَمَلَكَ بِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ إِبْطَالَ الْوَقْفِ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، فَكَانَ تَمْكِينُ الْبَطْنِ الثَّانِي مِنَ الْأَيْمَانِ غَيْرَ مُمْتَنَعٍ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ إِذَا كَانَ عَلَى أَصْلٍ مَعْدُومٍ وَفَرْعٍ مَوْجُودٍ، هَلْ يَبْطُلُ الْفَرْعُ لِبُطْلَانِهِ فِي الْأَصْلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ فِي الْفَرْعِ كَبُطْلَانِهِ فِي الْأَصْلِ، لِامْتِزَاجِهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ الْبَطْنُ الثَّانِي مَعَ نُكُولِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِهِ فِي حُقُوقِهِمْ، فَيَبْطُلُ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ فِي الْفَرْعِ، وَإِنْ بَطَلَ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَعَدَّاهُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ نُكُولِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>