كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، كَعَقْدٍ جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً، أَوْ بَيْعًا وَصَرْفًا، أَوْ بَيْعًا وَكِتَابَةً، أَوْ بَيْعًا وَنِكَاحًا. فَفِيهِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَحِيحٌ فِيهِمَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إِفْرَادُهُمَا، صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْبَيْعَتَيْنِ وَالْإِجَارَتَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اخْتِلَافَ حُكْمِهِمَا لَا يَمْنَعُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوِ ابْتَاعَ فِي عَقْدٍ شِقْصًا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَعَرَضًا لَا تجب فيه الشفة وكما لو اتباع عبدين أحدهما أبوه يعتق عليه الشراء وَالْآخَرُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ.
وَالْقَوْلُ الثاني: أن العقد باطل فيهما لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا جَمَعَ مَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ تَنَافَى، فيبطل كما لو قال: بعتك عبدي واشترته مِنْكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مُقَابَلَةَ الْعِوَضِ لَهُمَا مُفْضٍ إِلَى جَهَالَةِ الْعِوَضِ فِيمَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِذَا كَانَ عِوَضُ الْعَقْدِ مَجْهُولًا بَطَلَ.
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ جِئْنَا إِلَى تَفْصِيلِ مَا جَمَعَهُ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَنَقُولُ:
أَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَةً فَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا، أَوْ أَجَّرْتُكَ دَارِي هَذِهِ سَنَةً بِأَلْفٍ، فَالْبَيْعُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالْعَقْدِ، وَخِيَارُ الثَّلَاثِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثُبُوتِ خِيَارِ الْعَقْدِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُمَا بَاطِلَانِ، فَعَلَى هَذَا يَتَرَادَّانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا جَائِزَانِ فَعَلَى هَذَا يَنْظُرُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، فَإِذَا قِيلَ: خَمْسُمِائَةٍ، نَظَرَ أُجْرَةَ مِثْلِ الدَّارِ سَنَةً، فَإِذَا قِيلَ مِائَةٌ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الدَّارِ مِنَ الْأَلْفِ سُدُسُهَا، وَثَمَنَ الْعَبْدِ مِنَ الْأَلْفِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا.
- وَأَمَّا إذا جمع العقد بَيْعًا وَصَرْفًا فَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا وَدِينَارًا بمائة درهم. فما قابل الثوب بَيْعٌ، وَمَا قَابَلَ الدِّينَارَ مِنْهَا صَرْفٌ وَالْبَيْعُ لا يلزم إلا بالتفريق، وَالصَّرْفُ يَبْطُلُ إِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ فِيهِمَا وَيَتَرَاجَعَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ فِيهِمَا وَيُقْسِطُ الْمِائَةَ عَلَى قِيمَتِهَا.
- وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَكِتَابَةً فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا وَكَاتَبْتُكَ عَلَى نَجْمَيْنِ بِأَلْفٍ.
فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمَيْنِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، فَالْعَقْدُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بَاطِلٌ.
وَإِذَا قِيلَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمَيْنِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، فَالْعَقْدُ فِي الْبَيْعِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ على عبده.