للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآدميين كالديون، فإن قالوا: ينتقص بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِالْمُطَالَبَةِ ثُمَّ هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى: قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَن يَقْطَعَ السَّارِقَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ إِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَرِقَتُهُ، فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِالْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ لَا بِالْقَطْعِ، وَالتَّعْلِيلُ مَوْضُوعٌ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِالْمُطَالَبَةِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.

فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ.

وَقِيَاسٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنًى وُضِعَ لِرَفْعِ الْمَعَرَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَطَلَبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَنَاكِحِ، وَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ مَسْمُوعَةٌ وَالْيَمِينَ فِيهِ مُسْتَحَقَّةٌ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَلَا تُسْتَحَقُّ فِيهَا الْأَيْمَانُ.

أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْخِطَابَ فِي اسْتِيفَائِهِ مُتَوَجَّهٌ إِلَى الْوُلَاةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ، فَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِخِطَابِهِمْ، أَنْ يَقُومُوا بِاسْتِيفَائِهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا لِأَنَّهُمْ إِمَّا أَنْ يَعْجِزُوا عَنْهَا إِنْ ضَعُفُوا، أَوْ يَتَعَدُّوا فِيهَا إِنْ قَوَوْا فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْوُلَاةِ لَهَا أَعْدَلَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَالْخَمْرِ فَهُوَ الْمُعَارَضَةُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، إِمَّا بِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ، وَإِمَّا بِأَنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، فَخَالَفَهُ حَدُّ الْقَذْفِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ وَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِالْمُطَالَبَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَذْفِ نَفْسِهِ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَذْفِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ بِقَذْفِ نَفْسِهِ مُقِرًّا بِالزِّنَا فَلَزِمَهُ حَدُّهُ دُونَ الْقَذْفِ، وَحَدُّ الزِّنَا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مَأْخُوذًا بِهِ. وَحَدُّ الْقَذْفِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ سَاقِطًا عَنْهُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حَدَّ القذف من حقوق الآدميين المحصنة يجب بالطلب وَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ، وَقَذْفُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا فَلَهُمَا ثلاثة أحوال:

أحدهما: أَنْ تُمْسِكَ الزَّوْجَةُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ، وَيُمْسِكَ الزَّوْجُ عَنِ اللِّعَانِ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَالِاسْتِبَاحَةِ، وَحُكْمُ الْقَذْفِ مَوْقُوفٌ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِمْسَاكُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَطْلُبَ الزَّوْجَةُ بِالْحَدِّ مَعَ إِمْسَاكِ الزَّوْجِ عَنِ اللِّعَانِ، فَيُقَالُ لِلزَّوْجِ أَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي الالتعَانِ فَإِنِ الْتَعَنْتَ وَإِلَّا حُدِدْتَ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدْعُوَ الزَّوْجُ إِلَى اللِّعَانِ مَعَ إِمْسَاكِ الزَّوْجَةِ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ، فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>