أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ على ما ذكره المزني وأنه يحكم للمشترين بِقَدْرِ الثَّمَنَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا قَالَ الشافعي ههنا: كَانَ مَالُهُ مَوْقُوفًا يَعْنِي فِي اسْتِحْقَاقِهِ إِرْثًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِيَانِ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا وَنَسَبَ قَائِلَ هَذَا الْوَجْهِ الْمُزَنِيُّ إِلَى الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِ تَعْلِيلًا بِأَنَّ مَا بَذَلَهُ الْمُشْتَرِيَانِ فِدْيَةٌ تَطَوُّعًا بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَا فَلَمْ يَجُزْ لَهُمَا بَعْدَ التَّطَوُّعِ الرُّجُوعُ بِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ قَائِلِهِ خَطَأٌ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الْأَسِيرِ مِنَ الْمُشْرِكِ مُتَطَوِّعٌ بِمَا بَذَلَ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى وَجْهِ الْفِدْيَةِ ثُمَّ لَهُ ارْتِجَاعُهُ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَنِمَ الْمَالَ مِنْ يَدِ الْمُشْرِكِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْغَانِمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِمُسْلِمٍ.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولم أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَلِبَاذِلِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا مَا بَذَلَهُ الْمُشْتَرِيَانِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُمَا يَجُوزُ لَهُمَا ارْتِجَاعُهُ مَعَ التَّطَوُّعِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ ثُمَّ قَالَ هِيَ نقضٌ أَوْ زيفٌ لَمْ يُصَدَّقْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الدِّرْهَمَ فِي حَقِيقَتِهِ عِبَارَةٌ عَنْ وَزْنٍ وَقَدْرٍ وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَضْرُوبِ غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ مِنْهُ وَمَقَادِيرُهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الْبِلَادِ. فَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ أَوْسَطُهَا وَهِيَ الَّتِي وَزْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ دَوَانِقَ وَكُلُّ دَانَقٍ مِنْهَا ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَوَزْنُ كُلِّ عَشْرَةِ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ أَوْسَطُ الدَّرَاهِمِ قَدْرًا وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْهِرَقْلِيَّةُ.
وَالدِّرْهَمُ الثَّانِي وَهُوَ الْبَغْلِيُّ وَهُوَ أَعْلَاهَا وَوَزْنُهُ ثَمَانِيَةُ داونق يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمِ الْإِسْلَامِ ثُلُثَ وَزْنِهِ، وَالدِّرْهَمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الطَّبَرَيُّ وَهُوَ أَدْنَاهَا وَوَزْنُهُ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ بِنَقْصٍ عَنْ دِرْهَمِ الْإِسْلَامِ ثُلُثَ وَزْنِهِ. وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ ذَلِكَ دَرَاهِمُ بِلَادٍ تُقَارِبُ فِي الْقَدْرِ وَزْنَ هَذِهِ كَالدِّرْهَمِ الْخُوَارَزْمِيِّ وَوَزْنُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّرْهَمِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: هِيَ مِنْ دَرَاهِمَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَقْبُولٌ مِنْهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الْأَغْلَبُ مِنْ دَرَاهِمَ النَّاسِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْمَعْهُودُ عرفاً من مطلق دراهم الناس.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute