للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ أَبُوهَا وَإِخْوَتُهَا كُفَّارًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ مُهَاجِرَةٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ تَزَوَّجَهَا مِنْ أَقْرَبِ عَصَبَاتِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَدَلَّ عَلَى انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ بِالْكُفْرِ عَمَّنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى مَنْ سَاوَاهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كان أبعد فلأن اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فلم يثبت الولاية معه كما لم تثبت الميراث، وإنما الْوِلَايَةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِطَلَبِ الْحَظِّ لَهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَصُدُّ عَنْ هَذَا أو يمنع مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَلاَ ذِمَّةً) {التوبة: ١٠) .

[فصل]

فإذا تقرر هذا فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة لا نسب ولا حكم ولا ملك، وَلَا يُزَوِّجُهَا مِنْ عَصَبَاتِهَا إِلَّا مُسْلِمٌ قَدْ جمع شرطين: النسب، والدين، فأما الْكَافِرَةُ فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وِلَايَةٌ بنسب، وَوِلَايَةٌ بِحُكْمٍ، وَوِلَايَةٌ بِمِلْكٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْوِلَايَةُ بِالنَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهَا إِلَّا لِمَنْ إِذَا شَارَكَهَا فِي النِّسَبِ سَاوَاهَا فِي الدِّينِ، وَيُرَاعَى أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فِي دِينِهِ كَمَا يُرَاعَى رُشْدُ الْوَلِيِّ الْمُسْلِمِ فَلَوْ كَانَتِ الكافرة نصرانية وكان لها أخ نصراني، وأخ مسلم، وأخ يهودي وأخ مجوسي ولا ولاية عليها للمسلم ويكون النصراني واليهودي والمجوسي في الولاية عليها سواء كما يشاركون في ميراثها، ولا يختص بها النَّصْرَانِيُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ كَانَ فِي إِخْوَتِهَا مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا كَمَا لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُوْلًى عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا، فَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُرْتَدَّةً، وَكَانَ لَهَا أَخٌ مُسْلِمٌ، وَأَخٌ مُرْتَدٌّ وَأَخٌ نَصْرَانِيٌّ فَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَرِثُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ أن يتزوج بِمُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ وَلَا مُرْتَدٍّ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ مانعة من استباحة نكاحها.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْوِلَايَةُ بِالْحُكْمِ فَيَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ بِالْمُوَالَاةِ بالنسب فيمتنع اخْتِلَافُ الدِّينِ مِنْهَا؛ وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ بِالْوِلَايَةِ الَّتِي تَثْبُتُ عَلَى الْكَافِرِ كَثُبُوتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِذَا عدمت الكافرة منها شيئاً من عصبتها الكفار زوجها حاكم المسلمين بكف مِنَ الْكُفَّارِ، أَوِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ دَعَتْ إِلَى زوج مسلم وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ تَزْوِيجُهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تقاضى إِلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بينهما، وإن دعت إلى زوج كافر فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ كَانَ حَاكِمُ المسلمين بالخيار بين أن يزوجها بِهِ أَوِ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا كَمَا يَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا إِذَا تَقَاضَيَا إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ تزويجها أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي وُجُوبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّرَافُعِ إِلَيْهِ فإن زوجها لم يعقد نكاحها إلا شاهدين مسلمين ولا يجوز أن يعقده به أهل دِينِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْوِلَايَةُ بِالْمِلْكِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ثُبُوتِهَا لِلسَّيِّدِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يجوز للسيد

<<  <  ج: ص:  >  >>