كَبِيرًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ نَخْتَرْهُ، فَأَمَّا إِذَا أَتَى بَيْنَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّكْبِيرِ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَدَحَهُ بِأَنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَصِيرُ بِهِ التَّكْبِيرُ مَفْصُولًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَكْبَرُ، أَوْ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا يَجْعَلْ مَا بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ مَفْصُولًا مِثْلَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَكْبَرُ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّكْبِيرِ إِلَى الشاء، والتهليل فإن قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ [اللَّهُ] فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الصِّفَةِ عَلَى الِاسْمِ أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ وَالْمَدْحِ
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْإِلْبَاسَ، وَيَخْرُجُ عَنْ صَوَابِ التَّكْبِيرِ وَصِيغَتِهِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَلَامًا مَفْهُومًا، وَلَوْ تَرَكَ حَرْفًا مِنَ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ كَتَرْكِهِ الرَّاءَ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ النُّطْقِ الْمُسْتَحَقِّ إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ، لِأَنَّ لِسَانَهُ لَا يَدُورُ بِهِ كَالْأَلْثَغِ فَيُجْزِئُهُ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ يَنْعَقِدُ بِمَا ذَكَرْنَا فَالْإِحْرَامُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ فِيهَا
قَالَ أبو حنيفة: الْإِحْرَامُ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ "، وَأَضَافَ التَّكْبِيرَ إِلَى الصَّلَاةِ وَالشَّيْءُ إنما يضاف إلى غيره كقولهم غُلَامُ زَيْدٍ، وَثَوْبُ عُمَرَ، وَكَأَنَّ مَا كَانَ مِنَ الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا جَازَ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا صَارَ بِكَمَالِهِ دَاخِلًا فِيهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ إِنَّمَا هَيَ تَكْبِيرٌ وَتَهْلِيلٌ " فِلَمَّا جُعِلَ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ يَجِبُ فِيهَا إِلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ كُلِّ صَلَاةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَالْقِرَاءَةِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي افْتِتَاحِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهَا كَالْأَذَانِ، وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي لَا يَنْفَصِلُ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنِ الصَّلَاةِ كَالتَّكْبِيرَاتِ الَّتِي فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ ذِكْرٍ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ مَا لَيْسَ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، كَالتَّوَجُّهِ
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْخَبَرِ لا يَصِحُّ، لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُضَافُ إِلَى جُمْلَتِهِ كَمَا قَدْ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ: رَأْسُ زَيْدٍ وَيَدُ عُمَرَ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِهِ وَرَاءَ إِمَامِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صَلَاتِهِ، قُلْنَا: إِنَّمَا أَتَى بِهِ وَرَاءَ إِمَامِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِهِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَمْ يَأْتِ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِكَمَالِهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّلَاةِ لِتَقَدُّمِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ وَابْتِدَاؤُهَا وَالدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ يَكُونُ بَعْدَ ابْتِدَائِهِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الشَّيْءِ لَيْسَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute