للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإسحاق وأبي ثور، وقال أبي شُبْرُمَةَ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَوَاتِ كُلِّهَا إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ إِلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ " وَبِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ جَازَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَالْمُسْلِمِ.

وَدَلِيلُنَا، رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَشَدْتُكَ اللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ هُوَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْخُوذَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِمْ مَرْدُودَةً، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرِ فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ إِلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إِلَيْهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَيْهِ كَالْأَغْنِيَاءِ وَذَوِي الْقُرْبَى؛ وَلِأَنَّ مَنْ نَقَصَ بِالْكُفْرِ حَرُمَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَوَّلَنَا أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ اسْتِعْلَاءً عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نُمَلِّكَهُمْ أَمْوَالَنَا اسْتِذْلَالًا لَهُمْ.

فَأَمَّا عُمُومُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ مَخْصُوصَانِ بِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يَلْزَمُنَا الْعَمَلُ بِهِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.

وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ افْتُرِضَ مِنْهُمْ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْفَرْضُ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ بِأَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إِلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ فَمُنْتَقَضٌ بِذَوِي الْقُرْبَى، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُسْلِمِ إِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَا الذِّمِّيُّ، فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِالْمُسْتَأْمَنِ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَلَا يَسَعُ الْوُلَاةَ تَرْكُهُ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَهْلِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَّرَهَا عَامًا لَا يَأْخُذُهَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ ضَرْبَانِ: ظَاهِرَةٌ، وَبَاطِنَةٌ، فَالظَّاهِرَةُ هِيَ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعُ وَالْمَعَادِنُ، وَالْبَاطِنَةُ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَعُرُوضُ التِّجَارَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>