وَشَرَطَ فِيهِ الطَّلَاقَ فَسَدَ. وَلَوْ عَقَدَ نِكَاحًا وَكَانَ مُعْتَادًا لِلطَّلَاقِ لَمْ يَفْسَدْ. فَقَدْ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالشَّرْطِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُضَارِعٌ لِلرِّبَا فَهُوَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مَعْلُولٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّقْسِيمِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَاسِطَةٌ. فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ رِبًا صَرِيحًا كَانَ عَقْدًا صَحِيحًا.
فَصْلٌ:
فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ ذَلِكَ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ فَنَقُولُ: إِنَّهُ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبَضَ مِنْهُ الدِّينَارَ وَدَفَعَ إِلَيْهِ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ افْتَرَقَا جَازَ أَنْ يَعُودَ فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
وَهَكَذَا لَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ تَخَايَرَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَا الْعَقْدَ الثَّانِيَ جَازَ.
لِأَنَّ التَّخَايُرَ فِي الْعَقْدِ يَقُومُ مَقَامَ الِافْتِرَاقِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى عَقَدَا الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلًا، لِأَنَّ بَيْعَ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ عَقَدَا الْعَقْدَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ. لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي اخْتِيَارٌ مِنْهُمَا لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَجَرَى مَجْرَى الْعَقْدِ بَعْدَ التَّخَايُرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي إِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلًا. لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِالِافْتِرَاقِ وَلَا بِالتَّخَايُرِ. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ أَنَّ الرِّضَا بِالْعَقْدِ الثَّانِي اخْتِيَارٌ لِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَغَلَطٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخَايُرِ وَالْبَيْعِ أَنَّهُمَا إِذَا اخْتَارَا الْإِمْضَاءَ فَقَدْ رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِ مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ فَاسْتَقَرَّ بِذَلِكَ الْمِلْكُ. وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ الثَّانِي فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ بِذَلِكَ الْمِلْكُ، فَصَارَ حُكْمُ التَّخَايُرِ وَالْبَيْعِ مُخْتَلِفًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ مُتَّفَقًا فَهَذَا آخِرُ الْبَابِ.
فَصْلٌ:
وإذ قد مضى مسطور الْبَابِ مُسْتَوْفِيًا فَسَنَذْكُرُ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ أُصُولِهِ فُرُوعًا بَعْدَ عَقْدِ مَا مَضَى مَنْشُورًا لِيَكُونَ أَمْهَدَ لِأُصُولِهِ وَأَصَحَّ لِفُرُوعِهِ فَنَقُولُ:
إِنَّمَا سُمِّيَ الصَّرْفُ صَرْفًا لِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ. وَقِيلَ: بَلْ سُمِّيَ صَرْفًا لِصَرْفِ الْمُسَامَحَةِ عَنْهُ فِي زِيَادَةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ. وَقِيلَ بَلْ سُمِّيَ صَرْفًا لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُصَارَفَةَ صَاحِبِهِ أَيْ مُضَايَقَتَهُ.
وَالصَّرْفُ إِنَّمَا يَخْتَصُّ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوِ الفضة بالفضة والذهب الذهب. وَشُرُوطُ الصَّرْفِ الَّتِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا ثَلَاثَةٌ لَازِمَةٌ وَرَابِعٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّرْفِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ اللَّازِمَةَ:
فَأَحُدُهَا: إِطْلَاقُ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَجَلٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ.
فَلَوْ شَرَطَا فِيهِ أَجَلًا كَانَ بَاطِلًا. فَلَوْ أَسْقَطَا الْأَجَلَ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ.